في لحظات التحولات الكبرى، لا يكون التاريخ مجرد سجل للأحداث، بل يصبح مصدر إلهام ودروس في القيادة والنهضة، ويوم التأسيس ليس مجرد ذكرى، بل محطة تأمل في رحلة طويلة بدأت منذ ثلاثة قرون، عندما أرسى الإمام محمد بن سعود أسس الدولة، وسط تحديات سياسية واقتصادية كبرى، استطاعت المملكة تجاوزها برؤية واضحة وإرادة ثابتة. لم يكن تأسيس الدولة عام 1727 مجرد إعلان قيام كيان سياسي، بل كان انطلاقة لمسيرة بناء استمرت عبر الأجيال، وصولًا إلى ما نشهده اليوم من تطور اقتصادي وتنموي، فالتاريخ يؤكد أن الدول العظمى لا تقوم على الموارد وحدها، بل على الرؤية والاستثمار في المستقبل، والمملكة مثالٌ على ذلك، حيث تحولت من دولة ناشئة إلى قوة اقتصادية عالمية، بفضل وضوح رؤيتها وثبات مبادئها وقدرتها على التكيف مع التغيرات. في الماضي، كانت الدولة المحرك الأساسي لمشاريع التنمية الكبرى، لكن اليوم، ومع تسارع التحولات الاقتصادية، أصبح القطاع الخاص شريكًا رئيسيًا في بناء الاقتصاد المستدام، ومع إطلاق رؤية 2030، تعزز دوره بشكل أكبر، من خلال تمكين الشركات الوطنية والاستثمارات المحلية والعالمية، وإتاحة الفرصة لرواد الأعمال ليكونوا جزءًا من النهضة الاقتصادية. لقد ساهمت الاستثمارات المحلية والدولية في تنويع الاقتصاد، من الصناعات التقليدية إلى التقنية والابتكار، مما يعكس رؤية المملكة في الانتقال من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متكامل، يرتكز على المعرفة والاستدامة، واليوم، تلعب الشركات السعودية دورًا محوريًا في دفع عجلة التنمية، سواء من خلال تطوير القطاعات الحيوية مثل الطاقة والتكنولوجيا، أو عبر دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل حجر الأساس في الاقتصاد الحديث. وبالتزامن مع احتفالاتنا بيوم التأسيس، كان السعوديون على موعد مع إنجاز وطني آخر يبعث على الفخر والاعتزاز، ويعكس أي مكانة رسّختها مملكتنا اليوم بفضل قيادتنا الحكيمة – أعزّها الله – ورؤيتها الطموحة، على ساحة الاقتصاد والمال العالمية. فمع اعتماد المقام السامي الكريم رمزاً للعملة الوطنية "ريال" لينضم إلى قائمة رموز عملات الاقتصادات العملاقة الرئيسة في العالم، تكون بذلك المملكة قد رسمت هويتها المالية لتكون علامة مميزة وفارقة في أسواق المال الدولية، تمثّل قيمة مضافة للدور المحوري الذي يضطلع به الاقتصاد السعودي في مضمار دول العشرين. ولا يمكن هنا، تجاوز الرسائل التي عبّر عنها رمز العملة السعودية. فعلى الرغم من التطلعات الطموحة العابرة للحدود لاقتصادنا الوطني، إلا أن الدلالات الفنية التي حملها الرمز تعكّس تمسّكّاً بهويتنا العربية، وأصالتنا الراسخة، وإرثنا الحضاري العريق، ويؤكد على التفاعل الإيجابي والتاثير باتجاهين التي تسعى المملكة لترسيخه ضمن معادلة اندماجها مع اقتصادات العالم، اعتزازاً بموروثنا وتأكيد على قوة الشخصية السعودية التي كان لها مع التاريخ والإنجاز صولات وجولات. إن يوم التأسيس وإطلاق رمز لعملتنا الوطنية لا بد أن يكون فرصة للتأكيد على أن البناء لا يتوقف، وأن الطموح لا يعرف حدودًا، وكما كانت الريادة السياسية أساس قيام الدولة، فإن الريادة الاقتصادية اليوم هي مفتاح استمرارها في موقعها المتقدم بين الدول، ومع تسارع الابتكار والتحول الرقمي، تزداد الفرص أمام القطاع الخاص للمساهمة في تشكيل ملامح المستقبل، وخلق بيئة اقتصادية تنافسية تعزز مكانة المملكة عالميًا. المملكة اليوم ليست فقط سوقًا استثمارية واعدة، بل نموذج عالمي في استشراف المستقبل وصناعة الفرص، ويوم التأسيس هو تأكيد على أن النجاح لا يُنتظر، بل يُصنع، وأن لكل فردٍ ومؤسسةٍ دورًا في مواصلة هذه المسيرة التاريخية، ليبقى اسم المملكة دائمًا في مقدمة الدول الرائدة. *رئيس مجلس إدارة شركة أيان للاستثمار