تشهد الساحة الثقافية المحلية تنقلات عدد من الكتاب من الساحة الشعبية إلى الساحة الفصحى، سواء إلى أفقها النثريّ المقالي، أم إلى أفقها السردي الروائي. ويرى متابعون أن الشخصية التي يمكن اعتبارها نموذجاً صارخاً لهذا الوضع هي الكاتب محمد الرطيان، الذي عبر من المقالة إلى الشعر الشعبي، ثم بعد ذلك إلى عالم الرواية. وبدأت قصة الرطيان عندما كان يكتب «بشكل متقطع» زاوية تحت عنوان «خربشات» في صفحة «سوالف ليل» بصحيفة «الرياضية» قبل 19 عاماً، وعرفه الجمهور آنذاك بمقالاته التي تلعب على تضاد المفردات..واتهم حينها بسرقة عبارة الشيخ عبدالحميد كشك «كانت الأمة تبحث عن إمام عادل...فاستيقظت على عادل إمام» وتدوينها في إحدى مقالاته من دون أن ينسبها إلى صاحبها الأصلي. وانتقل بعد ذلك لكتابة الشعر الشعبي، لكنه لم يسلم من انتقادات حادة طاولته بسبب عجزه عن كتابة قصيدة مقفاة وموزونة، وعدم التزام شعره الحر بأي تفعليه..وفقدانه للإيقاع الموسيقي للنص، وهو ما برره الرطيان حينها «بأن الشعر لا يحتاج إلى وزن وقافية، لأن موسيقاه تنبع من الروح»، وهو التبرير الذي لم يلق تعاطفاً من أحد لأنه يضرب مبادئ كتابة الشعر في الصميم..لذا حزم الرطيان حقائبه وغادر المشهد الشعري الشعبي، واتجه إلى الكتابة الصحافية، التي برع فيها، لجرأته في الطرح والكتابة بنفس مختلف، وبأسلوب تهكمي محبب لكثير من القراء. وبعد سنوات من هجر الشعر الشعبي، وتحديداً مع حلول معرض الكتاب العام الماضي خرج الرطيان بروايته «ما تبقى من أوراق محمد الوطبان»، وتقاطر أصدقاء الكاتب من جميع جهات المملكة وأقيم حفلة توقيع مميّزة، وتعرف الوسط الروائي فجأة على روائي جديد عبر من قنطرة المقال والشعر الشعبي، وعلى رغم انتقال الرطيان من الشعر الشعبي إلى الرواية واقتحامه مجالها إلا أنه لم يغادر المنطقة الشعبية تماماً، وذلك - بحسب المتابعين- راجع إلى حاجته إلى بريق الساحة الشعبية، التي لم تتقبله بصدر رحب ولم يحصل فيها على مجموع أكثر من أمسية شعرية واحدة، هوجم فيها وأقصيّ بسبب عدم إلمامه بالصيغ الموسيقية للقصيدة الشعبية. وعلى رغم أن عالم الرواية - من جهة التكوين والتأسيس - أشد حاجة إلى الإعداد والرصيد القرائي الجيد، نجد أن طوفان الرواية السعودية والحمى التي أصابت الوسط الاجتماعي واجتذبته لا إرادياً صوب الرواية، اجتذب إليه الرطيان، الذي بدأ مشاركاته السردية بصورة خجولة في منتدى جسد الثقافة، ونتيجة لدخوله مسابقة قصصية في المنتدى المذكور بنص يسمى «هليّل» تشجع الرطيان واقتحم المشهد السردي بعمل «ما تبقى من أوراق محمد الوطبان»، في حيثيات رأى البعض أنها تكريس للظهور الشخصي عبر العالم الثقافي وتحوير للعلاقات الشخصية وقراء عالم المقالات والخربشات للعبور معه إلى عالم الرواية الجديد. ويرى بعض أعضاء منتدى جسد الثقافة، الذي استقبل أولى مشاركات الرطيان وشجعها عبر أحد نصوصه، أنه كان يتوقع منه أن يدخل عالم القصة بأداء منهجي وبالرجوع إلى كلاسيكيات القص العالمي وتكوين ذاته الإبداعية واختبارها، وليس الانتقال مباشرة من طور المحاولة في منتدى إلى رجل مبدع يطرح نفسه روائياً منافساً، ضارباً المثال بإحدى أولى قصصه القصيرة جداً في المنتدى، التي جاء فيها: «وقبل أن يموت الحصان العجوز في إحدى مزارع «تكساس»، أخبر أبناءه الثلاثة: أنه يعود إلى أصول عربية، وأن جدهم ال6 بعد ال10 هو الذي شارك «طارق بن زياد» فتح الأندلس! بعد وفاته بفترة، تفرّق أولاده: الحصان الأول أصبح نجماً سينمائياً في هوليوود يشارك بتصوير إعلانات سجائر المارلبورو. الحصان الثاني أصبح حصان سيرك! الحصان الثالث مات غرقاً وهو يحاول عبور المحيط إلى الشرق. بعض الروايات تقول : إنه وصل». ولم تكن ظاهرة الرطيان لتظل في طور المسكوت عنه نقدياً، إذ أثارت روايته ذاكرة المشهد الشعبي للإقصاء والهجوم الذي تعرض له أيام مغازلته للقصيدة العامية، وذلك عندما أثارت الرواية نقاشاً ساخناً وردود فعل في أمسية نظمتها لجنة الحوار في نادي حائل الأدبي، إذ وصفها الناقد محمود العزازمة بأنها رواية الحبكة المفككة والحوادث المنفصلة، في حين وصفها آخرون بأنها تقويضية للأسلوب الروائي وخلق جديد عبر عالم ما بعد الحداثة، في صياغة تستعيد الصورة التي ظهرت بها ردود فعل الرطيان تجاه منتقديه في حقبة الشعبي، عندما وصف تجربته الشعبية الخالية من الإيقاع وقواعد النظم بأنها «موسيقى تنبع من الروح». من جهة أخرى، فإن الرطيان يمتلك قاعدة قراء يتابعون مقالاته الحادة، التي تمتلك لغتها المميزة، ذات المقابلات والاستعارات والطباقات المختلفة المثيرة والقضايا الاجتماعية الإصلاحية المهمة، غير أن عدداً منهم رأوا أن هذه المهارة إنما هي كتابية وليست مهارة حوارية، إذ ظهر الرطيان في إضاءات أمام قرائه ومشاهديه، الذين استغربوا من غياب قدرته المميزة في صياغة المقال عن الحضور، وكيف لم يستطع الدفاع عن آرائه التي كان يطرحها أمام أسئلة مقدم البرنامج تركي الدخيل، ليظهر بلغة أقرب إلى لهجة المجلس العادي من كونها لهجة مثقف مهتم بالإصلاح وانتقاد الأوضاع الاجتماعية ويظهر في برنامج حواري حساس. إذ وصف نفسه في اللقاء بمقدم المعاريض لصحيفته، مبرراً ذلك بأنه جزء من هذا المجتمع، وأجاب بأنه يحب هذا الشعب على رغم أنه شعب شحاذ وكاتب للمعاريض، معللاً ذلك بقوله: «هل يوجد أحد لا يحب أهله».