خلف الحربي - عكاظ السعودية حتى أنت يا حاتم الطائي لم تسلم من محاكم التفتيش؟، وأين تعقد المحاكمة؟.. في حائل.. دارك التي تركت فيها روح الكرم ترفرف خفاقة في أرجاء الجبل الخالد لتلهم الأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل؟، إنها الظلماء يا حاتم.. وأنت أعلم الناس بوحشة الظلماء يا (بعد حيي)!.. ذلك الليل البهيم الذي كنت تمزق سواده الحالك بنارك العظيمة التي يستدل بها الضيوف قبل أن تورث هذه النار لأحفادك، حتى شهدت العرب والعجم لتلك المرابع بالكرم الذي لا يماثله أي كرم آخر. يا حاتم الطائي، هل كنت تتصور في يوم من الأيام أن تتم محاكمتك باعتبارك رمزا جاهليا ورجلا كافرا لا بد من طمس آثاره وقطع أخباره؟! حسنا.. يؤسفني أن أبلغك، أيها الرجل العظيم، أنه تلوح في الأفق هذه الأيام مطالبات بالتخلص من قصرك وقبرك وتغيير اسم الشارع الذي يحمل اسمك. تخيل، يا شيخ العرب، اسمك العظيم الذي يعتبر عنوان الكرم والمروءة أصبح يجلب الشبهات!، بل لقد تم اختصار اسم المدرسة التي تحمل اسمك لتصبح مدرسة (حاتم) دون (الطائي)، وكأنك شخص مجهول الهوية!، ونخشى أن يأتي اليوم الذي يتم فيه تغيير اسم نادي الطائي الرياضي ليصبح: (نادي المذكور)!. مثل هذا التنطع هو الجاهلية بعينها، فالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أمر بإكرام سفانة بنت حاتم الطائي لأن (أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق)، وإضاعة الوقت في النقاش حول كفر حاتم أو جاهليته يعني أن العقول المظلمة اطمأنت أخيرا إلى وصايتها على الأحياء، وبدأت في فرض الوصاية على الأموات!. من يدري، فقد تظهر غدا في القصيم دعوى قضائية للتفريق بين عنترة العبسي وعبلة بنت مالك بسبب عدم تكافؤ النسب؟!، ثم يتم إلغاء المهرجان الثقافي الذي يستمد حضوره من اسم عنترة رمز الشجاعة والأقدام في التراث العربي وأحد أشهر شعراء المعلقات، بحجة أنه شاعر كافر، وتقوم البلدوزرات بتكسير صخرة النصلة التي شهدت على ذكرياته الجميلة!. أما في الأفلاج، حيث جبل التوباد الذي احتضن لقاءات قيس بن الملوح بليلى العامرية، فإن المسألة لا تحتاج إلى جهد كبير لإثبات تهمة (الخلوة غير الشرعية) على قيس وليلى!، صحيح أن قيس رمز الحب العذري في التراث العربي كان مسلما، ولا ينتمي للجاهلية بأي شكل من الأشكال، ولكن أشعاره تعد (اعترافات خطية) بفداحة الجرم الذي ارتكبه!. وفي تيماء، يمكن التخلص من أي أثر يدل على السموأل رمز الوفاء في التراث العربي، إما لأنه يهودي وهذه بحد ذاتها كافية لطي قيده من الذاكرة أو أن يتم اتهامه بالعنف الأسري لأنه أب فضل أن يقتل ابنه أمام عينيه على أن يسلم الدروع التي تركها أمرؤ القيس الكندي أمانة عنده، وهذه تهمة لا تحتاج إلى شهود، فقد اعترف بها السموأل شعرا لحظة حدوثها: (وفيت بأدرع الكندي إني .. إذا ما خان أقوام وفيت)!. كما أنني أتوقع أن يتم ضبط وإحضار الشنفرى أشهر الشعراء الصعاليك، والذي عرف بسرعته الكبيرة في العدو إلى درجة أن الخيل لم تكن تستطيع اللحاق به، وسبب الضبط والإحضار واضح وضوح الشمس.. وهو تراكم مخالفات نظام ساهر المروري على هذا الشاعر الصاروخ!.