انباؤكم - الطاهر إبراهيم نشرت قضايا النهار في عدد يوم 9 كانون أول وجهتي نظر مصريتين عن الانتخابات المصرية التي جرت على التوالي يومي 28 نوفمبر الماضي و5 ديسمبر الجاري. وجهة النظر الأولى كانت للدكتور "عبد المنعم سعيد" رئيس مجلس إدارة صحيفة "الأهرام". أما وجهة النظر الثانية فكانت للدكتور "عمرو حمزاوي" كبير الباحثين بمؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي. أما مقالة "عمرو حمزاوي" فيمكن أن نلخصها: بأن الانتخابات المصرية الأخيرة قد خسرت مضامين الشرعية الثلاثة: شرعية المشاركة الشعبية في الانتخابات (كانت المشاركة أقل من 15% بحسب مراقبين محليين ودوليين)، وشرعية نزاهة العملية الانتخابية حيث كانت التزوير هو سيد الموقف (شهادات عالمية ومصرية)، وشرعية التمثيل المتوازن بالسلطة التشريعية (هيمن الحزب الوطني على أكثر من 90% من عدد النواب). أما مقالة الدكتور "عبد المنعم سعيد" التي جاءت في 4 صفحات، فقد كرسها للهجوم على جماعة الإخوان المسلمين، وتضخيم فشلها في الانتخابات المصرية الأخيرة، وعزا ذلك إلى تراجع التيار الإسلامي في كثير من البلدان العربية والإسلامية، وبالتالي فإن فشل الإخوان في مصر لم يشذ عن السياق العام لهذه التيارات. هذه النظرية التي "ابتدعها" الدكتور "سعيد" وهي أن فشل التيارات الإسلامية انسحب على إخوان مصر لم يقل به أحد من قبل. كما لم يكن أمينا في إيراد الأمثلة. كما يعتقد أن الفشل في التيارات الإسلامية في إيران والسودان والصومال وأفغانستان وباكستان واليمن ولبنان والعراق يضع هذه البلدان على خطر عظيم. هذا المثال لاعلاقة له بما زعمه "سعيد" بفشل الإخوان في الانتخابات الأخيرة في مصر، لأن التجانس بين تيارات هذه البلدان يساوي الصفر. وعليه فما علاقة إخوان مصر بالتيارات في إيران والصومال واليمن و ..؟ ثم لماذا يقفز فوق النجاح الذي حققه التيار الإسلامي التركي، مع أن حزب العدالة والتنمية في تركيا هو أقرب التنظيمات الإسلامية –بعد حركة حماس- إلى تنظيم الإخوان المسلمين الذي ينتشر في أقطار عربية عديدة، وإن ظهر وكأنه لا علاقة له بتنظيمات الإخوان المختلفة، للخصوصية العلمانية التي تصبغ الدستور التركي. الدكتور "سعيد" يداور ويناور عندما يضرب المثل بإخوان حركة حماس في الضفة الغربية وغزة. ولأنه لا يستطيع الزعم بأن "حماس" فشلت في الانتخابات التشريعية فهو يقول: (أخفقت تجربة حركة حماس في الحكم منذ انتخابها في 25 كانون الثاني 2006، رغم حصولها على 76 مقعدا بنسبة 57.6% من عدد مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، حتى إنها لم تعد على استعداد لخوض انتخابات أخرى). فمن أين استوحى الدكتور "سعيد" بأن "حماس" لم تعد على استعداد لخوض انتخابات أخرى؟ مع أن إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وغزة جعلته حماس شرطا للعودة إلى الوحدة مع فتح وباقي الفصائل. كما أن حماس لم تفشل في الحكم، بل إن السلطة الفلسطينية (وبتحريض من الرئيس بوش الذي رفض أن تستلم حماس رئاسة الحكومة) سرقت نجاح حماس في الانتخابات وسلمت رئاسة الحكومة إلى "سلام فياض" الذي لا يحظى بدعم حتى في صفوف حركة فتح. ولو عدنا إلى جولة الانتخابات الأولى التي جرت في مصر وكيف قرأها الدكتور "سعيد" لرأينا قراءة عجيبة، يقول: (أنه لا يوجد سبب واحد يمكن الأخذ به لتفسير حالة خروج كتلة الإخوان المسلمين خالية الوفاض دون مقعد واحد في الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية المصرية)، والسبب أمامه بين وواضح. لو أن الدكتور "سعيد" (وهو الصحفي الكبير ورئيس مجلس إدارة الأهرام) أرعى سمعه وعينيه لِما قاله المراقبون المصريون ونشرته صحف العالم وأذاعته المحطات الفضائية لعرف أن السبب هو "التزوير". وحتى "هيلاري كلينتون" وزيرة خارجية أمريكا انتقدت بمرارة التزوير الذي حصل في الانتخابات المصرية، مع أن كلينتون ليست من خصوم النظام المصري على كل حال. إذا كان الدكتور سعيد لم يفهم مقولة المرشد العام للجماعة "المحظورة" أعلن بعد هذه النتائج (أن جماعته انسحبت بعد أن حققت أهدافها كلها)، فلأنه لم يكمل ما قاله المرشد في نفس التصريح: (ما حدث أثبت أن النظام مغتصب للسلطة مزور لإرادة الأمة مستمر في طريق الفساد والاستبداد) في إشارة إلى التزوير المهول الذي تمت به انتخابات الجولة الأولى. وقد فسر الصحفي الإخواني "صلاح عبد المقصود" وكيل نقابة الصحفيين في مصر ما يعنيه المرشد العام، حيث قال عبد المقصود: (إن الإخوان المسلمين لو لم يدخلوا جولة الانتخابات الأولى، لما لجأ النظام المصري إلى التزوير بكثافة كما حصل، لأن خصوم الحزب الوطني الذين دخلوا الانتخابات، من غير الإخوان "مقدور عليهم" كما يقول المثل). نعتقد أن مقالة الدكتور "عبد المنعم سعيد" جاءت ضمن حملة تبريرية واسعة شنها الحزب الوطني لتبييض صفحته وتغطية ما حصل من تزوير وبلطجة في جولتي الانتخاب، لكنه كان كمن "يغطي السموات بالعبوات" كما يقول المثل. فكيف يحصل الحزب الوطني على نسبة تفوق 90% من المقاعد وسياساته الاقتصادية أدت إلى إفقار معظم الناخبين؟ أخيرا وليس آخرا، كم كان ظريفا أن يعمد الأستاذ "عبد المنعم سعيد" إلى تشبيه الانتخابات المصرية باصطياد سمكة "القرش" على سواحل "شرم الشيخ"، فقال: (ربما كانت الصدفة وحدها هي التي واكبت اصطياد سمكة القرش بعد أن أصابت حفنة من ضيوف مصر مع ظهور نتائج الجولة الأولى للانتخابات التشريعية وفشل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في الحصول على مقعد واحد مما ترتب عليه انسحابها من المعركة الانتخابية كلها). ربما يكون من الأفضل عدم التعليق على هذا المثل، فالكل يعرف من هي سمكة "القرش" ومن هم ضحاياها في انتخابات استولى فيها الحزب الوطني على كل مقاعد البرلمان، ولا تؤثر "الفراطة" من مقاعد قليلة تركها الحزب الوطني عمدا أو نسيانا، فنجت من بين يدي تزوير هذا الحزب العتيد.