حليمة مظفر - الون السعودية "الأنوثة" قيم معنوية ونفسية تتكون من منظومة أخلاق مكونة من القوة والرحمة والحكمة والهدوء والاحترام والاتزان والعطف إلى غير ذلك؛ مثلها مثل "الرجولة" تماما التي تتكون من قيم معنوية أخلاقية أيضا؛ فكما أن هناك رجل مفتول العضلات لكنه ليس برجل؛ لأنه لا يتحلى بقيم الرجولة؛ فهناك امرأة جميلة ليست أنثى لأنها لا تتحلى بقيم الأنوثة أيضا؛ وأستغرب جدا من بلادة التفكير فيمن يحصر "الأنوثة" في مجرد مظاهر "قشرة جسدية" في ظلّ تشويه جوهرها المعنوي، بتعزيز التخويف النفسي في المرأة خلال تنشئتها من كونها "فتنة" وتكريس أنها "ضعيفة" مع دفعها للاهتمام ب"القشرة الجسدية" لتكون فاتح شهية للرجل ليقبلها في حياته، بحيث تسعى الثقافة الاجتماعية "الذكورية" إلى ترسيخ صورة نمطية للأنثى "المتعة" و"التابع" للرجل؛ وهو تفكير خاطئ، كما تناولت في مقال الأمس، وما أريد الوصول إليه؛ أن قيمة "الأنوثة" هي التي تنبع من ذات المرأة؛ ويشعرها بأهميتها الإنسانية كأنثى متصالحة مع ذاتها حين تقف أمام المرآة لتتخلص من كل ما تحمله على ظهرها من عبء تراكمات المجتمع في تعزيز تفكيرها وتغذيتها بكونها مجرد "عورة" و"حُرمة" و"عيب اجتماعي" أمام نفسها. وكم هو محزن؛ أنّ كثيرات يعانين من تشوه معاني"الأنثى" في ذاتهن؛ فلا ترى الواحدة منهن في نفسها سوى أنها "فتنة" و"مخلوق ضعيف" مغلوب على أمره؛ ونتيجة لهذا التشوه الذاتي؛ تعاني الكثيرات من اضطراب نفسي وصراع مع رغبات "الأنثى" المشوهة؛ ما أدى ببعضهن إلى الاستسلام التام لهذا التشوه النفسي؛ وتأدية دورها في الصورة النمطية التي رُسخت لها اجتماعيا؛ إذ تؤمن أنها "ضعيفة" فتراها "منكسرة" و"عاجزة" لا ترى في نفسها وجودا دون الرجل؛ في ظل أنها تؤمن بأنها "فتنة" و"غواية" وبالتالي هي "عورة"؛ فتلجأ إلى إهمال نفسها ومظهرها الخارجي؛ إذ كيف تهتم بذاتها وقد تكون سببا لمعصية عابر سبيل في الطريق الذي تمشي فيه!؟ فاللوم سيلقى عليها! وأخريات على النقيض تماما؛ اتخذن ردة فعل مغايرة ضد الأنوثة المشوهة داخلهن؛ وحاولن أن يوجدن مصدر قوة تمردا على الأنثى الضعيفة داخلهن؛ وذلك باستثمار "القشرة الجسدية" للأنثى والاهتمام بتجميلها مع إهمال جوهرها تماما؛ من خلال المبالغة المفرطة بأدوات التجميل التي تلون به وجهها تحت النقاب أو البرقع أو خارجهما؛ ونوعية الملابس محتشمة كانت أم لا! بل بالغت أيضا في متطلباتها لتشتري ما لا تمتلك ثمنه؛ فهي تؤمن أنها لن تكون "أنثى" دون هذه المبالغات في التجميل الخارجي؛ ولا أعترض أبدا على اهتمامها بمظهرها بل أشجع عليه؛ ولكن ما أشير إليه أن تجميل المظهر الخارجي هو جزء من "تكوين الأنوثة" وينبغي أن يكون نابعا من جوهر الذات الأنثوية ومكملا لها؛ ولهذا كثيرات من هذا النوع؛ لا تتحقق أنوثتها إلا بتحقق المناسبات الاجتماعية؛ تتجمل وتتصنع النعومة والرقة لأن ذلك هو ما يريده الآخرون؛ ولماذا نذهب بعيدا! كثيرات بعد أن يتزوجن وينجبن يبدأن في إهمال مظهرهن الخارجي؛ فقد كانت تفعل ما سبق لأن محيطها الاجتماعي أملى عليها ذلك للحصول على الزوج والأسرة لا لتحقيق ذاتها الأنثوية؛ فماذا بعد ذلك؟! لا شيء. هناك نوع ثالث بدأ يطفو على السطح بشكل مخيف في مجتمعنا؛ سنتحدث عنه غدا.