أولا : عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.. وثانيا : عندي أمل بأنكم مازلتم تتذكرون العلاقة بين المتوالية الحسابية، والمتوالية الهندسية، ومربعات الشطرنج... ... فالمتوالية الحسابية (كما ذكرت في مقال قديم) هي التي "تتوالى" بطريقة 1، 2، 3، 4، 5 أما المتوالية الهندسية فتتوالى من خلال مضاعفة الأعداد التالية بطريقة 2، 4، 8، 16، 32 أما مربعات الشطرنج فيبلغ عددها 64 مربعا بحيث لو وضعت في أول مربع ريالا معدنيا ستحصل بالتمام والكمال (حسب المتوالية الحسابية) على 64 ريالا في آخر مربع .. أما حسب المتوالية الهندسية فسيتضاعف أول ريال بطريقة مركبة ومستمرة حتى يتجاوز 21 مليارا في آخر مربع من الشطرنج ! ومعظمكم يعرف قصة ملك الهند مع مخترع الشطرنج ؛ إذ تحكي الأساطير أنه أصيب بحالة اكتئاب شديد فلم يعد هناك شيء يسليه أو يخرجه من أزمته . وحين سمع أحد الفلاسفة بحالته ابتكر الشطرنج لعلاج مشكلته والفوز بجائزته .. وبالفعل أعجب الملك باللعبة فسأله عن المكافأة التي يريدها فطلب المخترع (حبة أرز واحدة) توضع على أول مربع ثم تضاعف في المربع الثاني ثم الثالث ثم الرابع حتى تنتهي مربعات الشطرنج كلها !! وفي البداية سخر الملك من هذا الطلب ( حبة أرز يا مغفل !؟) إلا أن محاسب القصر أدرك أن موافقة الملك تعني أن أرز الهند كله لن يكفي لتسديد قيمة الشطرنج !! ... واليوم أيها السادة قررت التأكد من هذه القصة وحساب حبات الأرز حين تصل الى آخر مربع في الشطرنج (ولتسهيل الأمر عليكم سأقفز عشرة مربعات في كل مرة) .. = فحبة الأرز في أول مربع ستتضاعف الى 2 إلى 4 ثم 8 ثم 16 ثم 32 حتى تصبح 512 (في المربع رقم 10) ! = وفي المربع (رقم 20) ستصل حبات الأرز الى 524288 .. = وفي المربع (رقم 30) ستزيد عن النصف مليار حبة (وتحديدا 536.870.912) ... = وبعد "تنظيف" الملايين الزائدة (!!) سيرتفع الرقم الأخير من نصف مليار حبة الى ( 256 مليار في المربع رقم 40) !! = وفي المربع (رقم 50) سيتضاعف الرقم الى 2621440 مليار حبة (والمليار أيها الأخيار يتطلب وضع تسعة أصفار أمام أي رقم) !! = وحين نصل الى آخر مربع (رقم 64) ستصل حبات الأرز فيه الى "شيء" قريب من 21.474.836.480 مليار حبة (ولا تنس وضع تسعة أصفار أمام هذا الرقم) !! ... وبهذا يمكن القول إن مخترع الشطرنج لم يقدم لعبة تشحذ الذكاء فقط ، بل ولفت الانتباه الى ما يسمى ب"المتواليات الرياضية" وخطورة "الفوائد المركبة" .. فالمتواليات الرياضية يمكنها شرح ظواهر اقتصادية وطبيعية وبشرية واجتماعية تتراكم بسرعة خارقة لا يتوقعها معظم الناس .. أما الفوائد المركبة فهي ما يهمني اليوم كونها ترتبط بعلاقتنا بعالم البنوك والمال والأعمال .. فالبنوك مؤسسات متخصصة تعتمد على دراسات وخبرات عريقة وبالتالي لا تغفل عن تأثير المتواليات المتضاعفة والفوائد المركبة (في حين يغفل عنها عامة الناس وبالتالي ينجذبون لعروض تبدو مغرية في بدايتها ولكنها تنتهي بكارثة مضاعفة يتحملها العميل وحده) .. فلو قدمت إليك إحدى الشركات عرضا لشراء سيارة (من أفخم طراز) بدفع ريال "واحد" في أول يوم ، ثم "ريالين" في اليوم الثاني، ثم "أربعة" في اليوم الثالث ( لمدة شهر واحد فقط) فهل توافق!؟.. أرجو أن لا تفعل ذلك لأن هذا العرض البريء سيرفع قيمة السيارة من "ريال" واحد في أول يوم إلى 536,870 ريال بنهاية الثلاثين يوما .. ورغم أن العروض الموجودة في الأسواق لا تتضاعف بنفس السرعة والحجم إلا أنها على أي حال تتضاعف بشكل ظالم ومركب (مهما أضفى عليها البعض ثوب التحليل) !! ... وما أتمناه فعلًا هو أن تتذكر قصة ملك الهند مع مخترع الشطرنج حين تدخل أي بنك ... وياليت تفكر مثلهم بطريقة "مركبة" كي لا تنضم لقائمة الضحايا المركبين .. أو المتراكمين إن شئت ...