عبد الرحمن الراشد * نقلا عن "الشرق الأوسط" السعودية «استهداف الموارد العامة، والإفساد، وخطف الطائرات، ونسف المباني»، هذا سطر مهم في الفتوى التاريخية الأهم التي وقّع عليها الشهر الماضي أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، عمليا هم أهم مرجع ديني في العالم الإسلامي. سطر يحرم بشكل صريح أفعال منظمات الإرهاب التي تدعي الإسلام وتحارب باسمه. ولأنها فتوى تمس أمن العالم، لا السعودية والعالم الإسلامي وحسب، فمن المتوقع أن تعمم وتذاع في كل مكان، لكنني بحثت عنها ولم أجدها بسهولة، حيث إن معظم ما ورد عن الفتوى معلومات وأخبار عامة. ولأنها أهم فتوى ظهرت حتى اليوم في جدل الحرب على الإرهاب، فمن المنتظر أن تدور، وتسوق، وتبلغ، حيث لا تزال حتى الآن خارج الأضواء، بعيدة عن آذان من صِيغت لهم من عامة الناس. ودون أن تعمم الفتوى تبقى منشورا عاديا، ودون قوة تطبقها في ميادينها أيضا تنتهي حبرا على ورق، وسيربح المروجون معركة الإرهاب بالتجنيد والتمويل وكسب تعاطف الناس. لذلك من صالح الإرهابيين، ومسانديهم من المتطرفين أن لا تذاع ولا يدري بها أحد. هذه الخطوة الجريئة يحاول البعض دفنها بالصمت، أو قتلها بالنقد. يفترض أن تكون الفتوى ملزمة أولا للعاملين في سلك الدولة من أئمة ودعاة ومنظرين يوضحونها، ويدافعون عنها بشرحها في كل المساجد والمنابر، بل يفترض أن تصادر كل المطبوعات الحكومية التي قد تعارضها، وتمنع كل الأموال الحكومية وشبه الحكومية من تمويل منشورات وكتب وندوات ومخيمات ومطويات تختلف معها. هذا هو السبيل لتفعيلها، ودحر الفكر المتطرف الذي غزا المجتمعات الإسلامية، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 1991 عندما كان الجهاد يعلن فقط من قبل مفتي الدولة ومؤسساتها، ثم سرق الفتيا المعارضون، وسخروها لخدمة أغراضهم السياسية. الجهاد اليوم بات من صياغة أنظمة وأجهزة لا علاقة لها بالإسلام. النتيجة أنه قُتل خلال السنوات العشرين الماضية من السعوديين في الجهاد المزعوم الكثيرون، ربما بالآلاف، لا ندري حتى هذا اليوم ما هو الرقم الحقيقي. حرب طويلة غامضة افتتحت مؤقتا في جهاد أفغانستان، وكانت تلك غلطة سياسية رهيبة هدفها قتال السوفيات، ثم انهار السد أمام طوفان التطرف. وعندما أعلنت هيئة كبار العلماء السعودية صراحة تعريف الإرهاب بشكل مفصل تكون سدت الطريق أمام الذين يحاولون تبرير ارتكابهم الجرائم. وإذا كان علماء الدين خاطروا بمواجهة المتطرفين وناقديهم، وقاموا بدورهم، جاء الدور على الحكومات أن تفعلها وتحولها إلى برنامج يحارب الإرهاب الذي آذى المسلمين وشوه سمعة الإسلام. لم يعد يستقيم القول بأن الإسلام دين تسامح ورحمة وهناك من يقتل الأطفال ويفجر الطائرات بركابها الأبرياء، ويهدم البيوت باسم الجهاد. لقد اختلطت على المسلمين، لا على غيرهم فقط، حقيقة توجيهات الإسلام الصحيحة في ساحة الدفاع والحرب. لم يعد الإسلام يعرف بأنه الدين الذي يحرم في الحرب قطع الشجر وقتل الدواب، ويحمي من الأعداء الهرم والطفل والمرأة والرهبان في أديرتهم. تعريف الإرهاب وتحريمه يخيف المتطرفين لأنه يفطمهم من المال، ويحول بينهم وبين تجنيد الشباب، ويلغي علاقتهم بالمجتمع المسلم الذي يسعون دائما لكسبه بالفتوى والدعاية.