بارك عدد من علماء العالم الإسلامي خطوة هيئة كبار العلماء السعودية بتجريم تمويل الإرهاب، بعدما حددت تعريفاً له الشهر الماضي، واعتبروا في حديث مع «الحياة» أن ممولي الإرهابيين لا يقلون جرماً وإثماً عن المشاركين في العمليات، مع تشديدهم على أهمية التثبت في صرف الأموال، ومطالبة بعضهم بمراقبة حكومية للجمعيات الخيرية لئلا تستغل في المشاريع الإجرامية. واعتبروا أن الخطابات الجماعية في تجريم الإرهاب كانت متأخرة إلى حد ما، على رغم حضور البيانات الفردية في المنابر والخطب، ورأوا أن الأموال التي تبذل في الإرهاب تسيء إلى الدين الإسلامي وإلى صورة المسلمين في العالم، محذرين العلماء في كل العالم الإسلامي من السكوت عن هذه الجرائم، وضرورة الإسهام في الحد من انتشار الإرهاب. وتبدو هيئة كبار العلماء حريصة على تضييق الخناق على استغلال الأموال مهما كانت قليلة في دعم المشاريع الإرهابية، إذ اعتبر الأمين العام لهيئة كبار العلماء في السعودية فهد الماجد تمويل الإرهاب في إحدى مناطق العالم سبباً لعاصفة في منطقة أخرى، ليقول إن «الريال الواحد من الممكن أن يؤدي إلى تنفيذ عملية إرهابية». وعلى رغم أن البعض رأى البيان متأخراً إلا أن الماجد وفقاً لحوارات صحافية أوضح قائلاً: «هيئة كبار العلماء دانت الإرهاب قبل 22 عاماً. إذ لم تتأخر في معالجة هذه الظاهرة الآثمة بل كان لها دورها وريادتها في التحذير منها والتنبيه إليها قبل تكونها ظاهرة عالمية ومحلية». ووصف مفتي الجمهورية التونسية الشيخ كمال الدين جعيط الإرهاب مع المسلمين أو غير المسلمين إذا كانوا على عهد معنا ب «الإفساد»، إذ هو مضر بالأمن والإيمان معاً، وشدد على أن تمويل مشاريع الإرهاب مثل المشاركة فيها، إذ «الممول والمشارك» كلاهما سواء في جريمة القتل. وأكد ل «الحياة» أن الدين الإسلامي أتى لبناء الإنسان وليس لقتله، في حين أن مشاريع الإرهاب مخالفة لما جاءت به المقاصد الشرعية، ووصف مبادرة هيئة كبار العلماء ب «الموفقة» وقال: «علماء السعودية على حق وصواب في ما ذهبوا إليه». ولفت إلى أن مشاريع الإرهاب ومخططاته هي من قبيل المصالح الدنيوية التي تتذرع بالجانب الديني، وليس المقصود منها الدار الآخرة والثواب، مؤكداً أن الإسلام جاء بالسلام والإيمان وأتى ليغير الناس إلى الأفضل، في حين أن المشاريع المتطرفة مخالفة تماماً للشرائع السماوية. ورأى وكيل وزارة العدل والشؤون الإسلامية في مملكة البحرين الدكتور يعقوب منصور المفتاح أن هيئة كبار العلماء السعودية حينما أصدرت بيانها بتجريم تمويل الإرهاب، ضبطت بذلك المساعدات الخيرية التي ربما لا يعرف الناس أين تذهب، خصوصاً أن ظاهرة الإرهاب منتشرة، فأصبح ضرورياً الحد منها، وقال: «ليس من مقاصد الشريعة الإسلامية هذا الإرهاب، وخيراً فعلت هيئة كبار العلماء بمحاربة هذا المرض الخطر». وشدد في حديث مع «الحياة» على دور العلماء في الحد من انتشار الإرهاب، وعلل ذلك بأن الإرهاب يأتي من المتدينين المغرر بهم، الذين لم يدرسوا في الجامعات والكليات الشرعية، وأضاف: «نجد أن الإرهابيين ليسوا من أهل العلم، ولا يصدر عنهم رأي راشد»، مفيداً أن البيان حظي بتوقيع علماء مشهودين بالعلم والمعرفة وثقة الناس بهم عالية. ووافق «كبار العلماء» في ضرورة ضبط المساعدات والإنفاق بحيث يعرف المتبرع أين تذهب أمواله، ومن يقوم بصرفها، إضافة إلى أهمية أن تكون الجهات الخيرية التي تتولى الإنفاق رسمية ومعترفاً بها: «لا يمكن التبرع إلى جهات غير رسمية، ولا بد من وجود مراقبة من الدولة حتى تضبط الأمور». وأكد أهمية علاج الإرهاب باتخاذ إجراءات صحيحة مؤصلة شرعياً، واعتبر أن الإرهاب في انحسار، خصوصاً مع تكاتف العلماء وطلبة العلم في رفض هذه الظاهرة الإجرامية. وقدم شكره لخادم الحرمين الشريفين لاهتمامه بالعلماء ودعمهم: «نشكر خادم الحرمين الشريفين على اهتمامه ودعمه للعلماء، وهذا يدل على حكمته، ونحن نرى جهوده الكبيرة في توسعة الحرمين وفي دعم الحوار والتواصل مع الثقافات العالمية، وغيرها من المبادرات المباركة». وثمّن قاضي المحكمة العليا في السودان وخبير المجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة الدكتور إبراهيم أحمد عثمان، ما ذهبت إليه هيئة كبار العلماء بالسعودية، وقال: «الإرهاب ترويع للمسلمين ولا يجوز شرعاً، وهذا أمر لا خلاف عليه، وبالتالي فمن يسهم في دعمه معنوياً أو مادياً فهذا حرام، وعليه مسؤولية كبيرة أمام الله». واستشهد بقوله تعالى: «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها»، فلذلك من يقوم بقتل الناس في العمليات الإرهابية، يدخل ضمن القتل العمد، ومصير صاحبه إلى النار بنص الآية القرآنية. وذكر أن من يقوم بالدعم المالي للمشاريع الإرهابية يعد مشتركاً معه في الجرم والإثم، ومن المعلوم أن من يساعد على الإجرام يعاقب بمثل من قام به، لذا فالداعم والفاعل للإرهاب كلاهما سواء. وفي سؤال ل «الحياة» عن المتبرع بحسن نية، ولا يعلم أن أمواله تصرف في العمليات الإرهابية، قال: «لا بد على المسلم أن يتأكد ويتثبت من أن الأموال التي تبرع بها ستصرف في المشاريع الخيرية، حتى لا تستغل أو يخدع، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن المسلم سيسأل عن أربع يوم القيامة، ومنها من ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، لذا من يتبرع من دون احتراز يتحمل المسؤولية، ومن يقدم المال من دون احتراز ربما يحمل الوزر، لذا على الإنسان أن يتحقق ويدقق حتى يطمئن ويتأكد أن أمواله ستصرف في المشاريع الخيرية». وحذر العلماء من السكوت على مثل هذه الأمور، لأنهم إذا سكتوا قصداً فأنهم يأثمون، ورأى أن بيان هيئة كبار العلماء أتى متأخراً، مع إشادته بالمبادرات الفردية في تجريم الإرهاب على المنابر وفي الخطب، مفيداً بأن حكم ذلك واضح في الشريعة ولا يحتاج إلى من يؤكده. وتوقع أن يحدث بيان هيئة كبار العلماء في تجريم تمويل الإرهاب آثاراً إيجابية، إذ ستتحرك جهات كثيرة لمساندتها عبر إصدار بيانات مشابهة تجرم هذا الأمر مثل المجامع الفقهية ونحوها، ورأى أن البيانات التي تصدر من علماء الأمة الإسلامية، سيتقبلها الناس بالترحيب، إذ إن العمل الجماعي له قبول ووقع أكبر من الاجتهادات الفردية، وقال: «العمل الجماعي له قوة في المسلمين، إذ يتهم البعض الآراء الفردية بتأثرها بالوضع السياسي، في حين أن البيانات الجماعية تحظى بصدقية أكبر». الأكاديمي الليبي في كلية الدعوة الإسلامية مختار أحمد ديرة، يعتبر تفزيع الناس منبوذاً في الشريعة الإسلامية، ولا يتفق مع ادعاء البعض بأن البيانات الشرعية في تجريم الإرهاب وتمويله تأخرت، يقول: «كل إنسان لديه عقل سيرفض الإرهاب». وفي تصريح إلى «الحياة» يصف بيان هيئة كبار العلماء ب «بيان الخير» إذ الأمة لا تجتمع على ضلال، ومتى اجتمع كبار العلماء على شيء فهذا يدل على صوابه، واتفق مع قول العلماء السابقين على أن من يصرف أمواله من دون أن يدري مآلها، ويعلم أنها صرفت في مشاريع الإرهاب يعد مشاركاً في ذلك. وقال: «على المسلم أن يتأكد أن أمواله تصرف في المشاريع الخيرية وفي مصالح الأمة الإسلامية، فإن الأموال لا تعطى هكذا جزافاً، فربما أسيء إلى الإسلام من طريق هذه التبرعات من حيث لا يشعر المرء». وأضاف: «بعض التجار قد يغشه بعض المتزلفين والمخادعين وهذا موجود في كل العصور، ونحن نعلم أن الإسلام عانى من المنافقين الذين شوهوا صورته أكثر من الكفار، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من المنافقين كثيراً في دعوته أكثر من الكفار». وكانت هيئة كبار العلماء السعودية في نيسان (أبريل) الماضي، حددت تعريفاً للإرهاب وجرّمته بفتوى اعتبرها الكثيرون تاريخية، إذ كان «تعريف الإرهاب» يقف مانعاً أمام جهود كبيرة تهدف لإيجاد سبيل مكافحته والانتصار عليه، بالتفريق بينه وبين مقاومة الاحتلال، أو الحرب من أجل التحرر والاستقلال. وتضمن قرار هيئة كبار العلماء بالسعودية، تعريفاً للإرهاب، إذ اعتبر أن استهداف الموارد العامة، والإفساد، وخطف الطائرات، ونسف المباني، إجرام وإرهاب. وكان كبار العلماء البالغ عددهم 20 عضواً، اجتمعوا برئاسة المفتي العام، واستندوا في قرارهم الى النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية التي تتفق جميعها على تجريم دعم الإرهاب والإفساد في الأرض، فضلاً عن الإيواء والمعاونة والتستر والتنظير الفكري والدعم المادي والمعنوي الذي يدعم هذا النوع من الأعمال. وأكدت هيئة كبار العلماء في الفتوى أن رأيها الذي توصلت إليه في ما يخص تعريف الإرهاب، وتجريم أفعاله، وتمويله، لا تعني به السعودية فقط، بل يشمل الدول الإسلامية، وغيرها من دول العالم. واعتبر الأعضاء في فتواهم أن المتورط في أعمال الدعم يعتبر شريكاً في الجريمة. ولم يضعوا عقوبة محددة لممولي الإرهاب، إذ ترك القرار للقضاء الشرعي، لتقرير العقوبة المستحقة شرعاً على مرتكب فعل التمويل.