حينما تفكر الفتاة بوضع حدا لاستمرار حياتها ، وذلك بالانتحار لكي تنعم بالراحة كما يُزين لها الشيطان فعلتها ، فلابد أن يقف العقلاء والمختصين والأهل من هذه الظاهرة التي وإن حدثت بمجتمعنا في حالات فردية لا تكاد تذكر إلا أنها تؤكد أن المؤشر يتنامى في المجتمع بهدوء ، "الرسالة" رصدت أراء المختصين وقامت بمحاولة لدراسة الانتحار لدى الفتيات والمؤشرات الدالة على خطورة الانتحار وما هي الأسباب المؤدية للانتحار وما دور الأهل في احتواء الفتاة وغيرها من الأسئلة في مضابط هذا التحقيق: تأصيل الانتحار! بدايةً أصل الأستاذ الدكتور سعود العقيل "عميد كلية الشريعة في الإحساء " الانتحار بقوله :" الاِنْتِحَارُ فِي اللغَة: مصدر يقال: انتحر الرجل، بِمعنى نحر نفسه ، أَي قَتلَها وفي حديث أَبِي هريرةَ رضي الله عنه: (أَن رجلاً قَاتَل في سبِيل اللَّه أَشد القتال، فَقَال النبِي صلى اللَّه علَيه وسلم : إِنه من أَهل النارِ ، فبينما هو على ذَلك إِذ وجد الرجل ألم الجرح ، فاَهوى بِيده إِلَى كنانته ، فَانتزع منها سهما فانتَحر بها) وفي الحديث نفسه : (انتحر فلاَن فقَتل نفسه) ، فالانتحار كبيرة من كبائر الذنوب، وعن أَبِي هريرة - رضي الله عنه - أنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تردى من جبل فقَتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدا، ومن تحسي سما فقَتل نفسه فَسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أَبدا، ومن قَتل نفسه بِحديدة فحديدته في يده يجأ بِها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدًا فيها أَبدا) والحديث فيه وعيد شديد لمن يقدم على الانتحار، وما جاء فيه من خلُود المنتحر في النار فمحمول علَى من استحله، فإِنه بِاستحلاَله يصير كَافِرا؛ أو يراد بالخلود المكث الطويل، مما يدل علَى أَن المنتَحر تَحت المشيئة ، وليس مقطوعا بِخلود في النار - حديث جابِر أنه قَال لَما هاجر النبِي صلى الله علَيه وسلم إِلَى المدينة هاجر إِليه الطفَيل بن عمرو ، وهاجر معه رجل من قَومه فَاجتَووا المدينةَ ، فَمرض فَجزع ، فَاَخذ مشاقص ، فَقَطع بِها براجِمه فَشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفَيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ، ورآه مغطيا يديه ، فَقَال لَه : ما صنع بِك ربك ؟ قَال : غفَر لي بِهِجرتي إِلَى نبِيه صلى اللَّه علَيه وسلم فَقَال : ما لي أراك مغطيًا يديك ؟ قَال : قيل لي : لَن نصلح منك ما أفسدت ، فَقَصها الطفَيْل علَى رسول اللَّه صلى اللَّه علَيه وسلم فَقَال رسول الله صلى اللَّه علَيه وسلم ولِيديه فَاغفر) فالانتحار حرام بِالاتفَاق ، ويعتَبر من أكبر الكبائر بعد الشرك بِاَلله . قَال اللَّه تعالَى: { ولاَ تَقْتلُوا النفس التي حرَّم اللَّه إِلا بِالْحقِّ} وَقَال: { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } وقَد قَرر الْفقَهاء أَن الْمنتَحر أَعظم وزرا من قَاتل غيره، وهو فاسق وباغ علَى نفسه، حتى قَال بعضهم : لاَ يغسل ولاَ يصلّى علَيه كَالبغاة ، أما الصلاة عليه فالصواب أنه يصلى علَيه ، لأنه لَم يخرج عن الإْسلاَم بِسبب قَتْله نفسه وقَال الحنابِلَة : لاَ يصلي الإْمام علَى من قَتل نفسه عمدا ، ويصلي علَيه سائر الناسِ أَما عدم صلاَة الإْمام علَى المنتَحِرِ فَلحديث جابِر بنِ سمرةَ السابِقِ ذكره أَن النبِي صلى الله علَيه وسلم لَم يصل علَى قَاتل نفسه ، وكَان النبِي صلى اللَّه علَيه وسلم هو الإْمام ، فَأُلْحق بِه غيره من الأْئمة، ونفس الإنسان ليست ملكاً له، وإنما هي ملك لخالقها عز وجل. وهي أمانة عند صاحبها، سيسأل عنها يوم القيامة ولهذا لا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه، ولا أن يتصرف بشيء من أجزائها إلا بما يعود عليها بالمصلحة، أو يدرأ عنها المفسدة، وأكثر ما يقع هذا الذنب من فئة الشباب وعند الفتيات أكثر من غيرهن وتؤكد الإحصائيات العالمية أن نسبة محاولات الانتحار عند النساء أكثر منها عند الرجال" وبين العقيل الأسباب المؤدية لإنتحار الفتيات بقوله:" 1- ضعف إيمان الفتاة وقلة وعيها الديني وبعدها عن طاعة الله تعالى.2- أو خوفاً من الفضيحة بعد حملها سفاحاً.3- أو خوفاً من الفضيحة نتيجة تهديد ممن يمتلك لها صوراً أو تسجيلاً صوتياً 4- المعاملة الأسرية القاسية التي تلقاها من أحد أفراد الأسرة.5- اضطراب العلاقات الأسرية كالمشاحنات بين الوالدين وغياب الأب والأم 6- الفشل الدراسي 7- الأمراض النفسية8- نتيجة تعاطي المخدرات والتي بدورها تؤدي للأمراض النفسية، إن لم تقتل صاحبها بجرعة زائدة قبل ذلك.9- اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى.10- متابعة المسلسلات والأفلام التي تصور الانتحار حلاً سريعاً وتعدد صوره وأساليبه وغير ذلك من الأسباب" الشيطان والانتحار! وشدد العقيل أن الفشل في الحب قد يُسبب الانتحار فقال:" يبدأ الأمر بنظرة فموعد فلقاء ويوهم الشيطان الفتاة أن هذا الشاب هو فتى أحلامها ويصور لها حياة وردية تنتظرها مع هذا الذئب البشري وما هي إلا أيام قلائل حتى يكشر لها عن أنيابه ويبدأ يهددها ويبتزها لتمكنه من نفسها ويفترسها وينال بغيته منها ثم لا يلبث أن يملها ليبحث عن فريسة أخرى، وحينئذ تبحث الفتاة عن حل لتجد الشيطان قد تبرع لها بحل الانتحار ويوهمها أنه السبيل الوحيد لحل المشكلة وأنه الطريقة المناسبة لدفن هذا العار وما درت أنها تضيف عاراً لعارها الأول وكان الواجب أن توصد باب الشر من أوله وترد العابثين، فإن غلبها الشيطان في هذه الخطوة فلا تتبع بقية خطواته ولا تستجيب لتهديدات الذئاب بل تلجأ إلى الله أولاً بالتوبة والاستغفار ثم إلى أسود الحسبة رجال الهيئة فكم أنقذوا من فتاة كاد شرفها يضيع لولا الله ثم هم بارك الله فيهم وفي جهودهم وفي ولاة أمرنا الذين حرصوا على هذه الشعيرة" ليست ظاهرة! ومن جهةً أخرى يرى د خالد بن صالح المرزم السبيعي " المستشار في وكالة جامعة الملك سعود للشئون الأكاديمية والتعليمية وأستاذ مساعد بقسم التربية وعلم النفس كلية المعلمين" أن انتحار الفتيات ليست ظاهرة واضحة فقال:" أن الدراسات العلمية على حد علمي لم تتناول هذه القضية بالدراسة والتحليل وقد تكون هناك حالات موجودة أشارت لها بعض الصحف المحلية لا ترقى إلى حد الظاهرة أو رقم يستلزم الاهتمام وتركيز البحث فيها فهي أما أنها ترتبط بحالات مرضية نفسية أو ناتجة عن تعاطي وإدمان المخدرات أو ناتجة عن الوقوع في حالات شذوذ أخلاقية غير مقبولة اجتماعياً ودينياً قد تدفع الفتاة للانتحار للخلاص من هذا العار، وأما انحسارها كما أوضحتِ في أوقات الاختبارات فقد يكون قلق الاختبار والخوف من الفشل أو الرسوب سبباً لها ولا يمكن الجزم بأنها حالات قد تؤدي إلى الانتحار" ودعا الأسر إلى احتواء الأبناء فقال:"اعتقد أن دور الأسرة وقدرتها على احتواء الأبناء ومشكلاتهم من أهم العوامل المفصلية المؤدية إلى خفض حالات القلق أو الخوف من الاختبارات وكذلك الحالات غير المقبولة اجتماعياً ودينياً ،إضافة إلى دور المؤسسات التربوية الأخرى مثل المدرسة أو الجامعة وجميعها تلعب دوراً مهماً ومحورياً في خفض حالات القلق والرهاب من الاختبارات واحتضان ومعالجة المشكلات لدى الشباب والفتيات وذلك من خلال تكثيف اللقاءات والمحاضرات التوعوية، وفتح قنوات للحوار، وتعيين مؤهلين في مكاتب الإرشاد والتوجيه الطلابي، وتوثيق العلاقة بالأسرة، وإجراء الدراسات والأبحاث التي في الكشف عن مشكلات الشباب واحتياجاتهم ومعالجتها." محاولات ناجحة ومن جهة أخرى يُوضح د.محمد الحامد "استشاري الطب النفسي في جدة وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي "أسباب الانتحار فيقول:"من أهم أسباب الانتحار الإصابة بالاكتئاب و15% من المصابين بالاكتئاب يقدموا على الانتحار وينتحروا انتحار ناجح، في حين أن ثلثي مرضى الاكتئاب يكون لديهم أفكار انتحارية وكذلك من الأسباب الرئيسية تعاطي المخدرات وعلى رأسها إدمان الكحوليات ، وكذلك اضطرابات الشخصية وبالذات مرض انفصام الشخصية والشخصية المضادة للمجتمع فجزء منهم يُقدم على الانتحار، ولو تكلمنا بشيء من التفصيل عن أسباب الانتحار لدى الذكور والإناث نلاحظ أن هناك نقطة هامة وهي أن محاولات الانتحار لدى الإناث أكثر من الذكور والسبب في ذلك أن الفتاة أكثر اندفاعا في محاولات الانتحار فتكون عدد المحاولات الفاشلة لدى الإناث أكثر من الذكور لكن عدد الحالات المنفذة فعليا والتي انتهت بالوفاة في الذكور أكثر عادةً من الإناث وعوامل الخطورة في الانتحار تنحصر في عدة نقاط : منها الجنس فالذكر أكثر خطورة أي أنه ينفذ فعلا بعكس الأنثى ، الحالة الاجتماعية فالأرمل أو المطلق وغير المتزوج أكثر خطورة من المتزوج ، كذلك الفئة العُمرية كلما كبر الواحد بالسن إلى فوق 45 سنة تكون محاولة الانتحار جادة غير أن لدى المراهقين محاولات الانتحار يكون فيها نوع من الاستغاثة والصراخ من أجل المساعدة ، المستوى التعليمي فعادةً كلما كان المستوى التعليمي عالي كلما كان عرضة لمحاولات الانتحار ،أما تقييم حالات الانتحار الفردية فكل محاولة تختلف خطورتها بحسب الطريقة المُنفذة ، عادةً الحالات الأكثر خطورة ويكون الانتحار ناجحا التي تكون بالشنق أو الخنق أو الإصابة بالنار "الطلقات النارية" هذه تكون أكثر حده وأكثر نجاحاً في تقييمها ، بينما محاولات أخرى مثل بلع حبوب أو مواد سامة تكون أقل خطورة وفي جزء كبير منها تكون محاولات فاشلة ، وهناك مؤشرات تبين الخطورة من عدمها فمثلا الشخص المنتحر الذي يكتب وصيته فهذا من علامات الخطورة الشديدة لأنه جاد جدا في عملية الانتحار ، أيضا الأدوات المستخدمة في الانتحار فالوسائل المستخدمة مثلا حبوب أو مواد سامة وأخفى الوسائل التي استخدمها للانتحار بشكل تام فهذا يدل على خطورة الانتحار " المتابعة الدورية وأضاف الحامد فقال:" من الجزئيات الهامة التي نأمل من الإعلام أن يركز عليها وهو دور الأهل في الإتيان بالمصاب بالاضطراب النفسي للمختصين وخاصة أن حالات الانتحار بالمصاب بالاكتئاب كثيرة جدا ونرى أن الإعلام بالفترة الأخيرة سلط الضوء على بعض الحالات مع أن وضعهم الاجتماعي جيد وذلك بسبب الإصابة بالاكتئاب وجهلهم بكيفية العلاج ، فإذا الأسرة لديها أحد مصاب بالاكتئاب أو الفصام أو إدمان الكحول فيجب أن تسعى بمراجعة دورية لدى أحد الأطباء النفسيين والمتابعة الدورية فأحيانا المريض – وهنا تكمن الخطورة- إن كان في حالة اكتئاب شديدة لا يعلن هذه الأفكار بل يمارسها بخفية ويُقدم على تنفيذها عندما تسنح له الفرصة ، وكذلك أوجه الكلام لأطباء من غير الأطباء النفسيين "مثل أطباء الأسرة" فإذا الشخص سيعالج المريض مهم جدا أن ننبه على جزئية قد تكون من أسباب الانتحار فيأتي مريض مصاب باكتئاب ليس لديه خطورة الانتحار بشكل كبير فالمريض حينما يكون مصاب بشكل قوي بالاكتئاب يكون لديه خمول وضعف جسماني لا يستطيع تنفيذ الانتحار الموجودة في ذهنه لأنه يعاني من وهن نتيجة من الاكتئاب لكن بمجرد أن نعالجه على مضادات الاكتئاب يبدأ الوهن يتحسن سواء الجسماني أو العقلي فيبدأ يستعيد نشاطه أكثر لأن الأفكار الانتحارية لا تزول مع العلاج إلا بعد فترة 6 أسابيع فبعد أسبوعين يتحسن جسمانيا والأفكار الانتحارية مازالت معه فقد يُقدم على الانتحار لأنه جسمانيا تحسن لكن مازال الاكتئاب معه لذلك الطبيب حينما يعالج حالات اكتئاب ينبغي أن يكون حذر من هذه النقطة وان يحيل حالات الاكتئاب للمختصين النفسيين"