ناصر الصرامي يقدم الإعلام الغربي لفتاوى متشددة تصدر من علماء من داخل البلاد بوصف «رجل دين سعودي مهم»، أو «شيخ دين سعودي مؤثر»، أو «محسوب على المؤسسة الدينية»، وهي سياقات تأتي عند نقل فتاوى تهدد بالتكفير والقتل، وهدر الدم، ناهيك عن الفتاوى السطحية، التي تحرِّم ألعاب أطفال، أو تقنيات جديدة، ونحو ذلك.. ومعروف أن الفتوى متاحة ولا تحتاج إلى إمكانية كبيرة، وقد تتم في أي وقت أو أي مكان، ومن كل مَنْ يحمل صفات شكلية ل»شيخ»، قبل أن تطير فتواه للعالم! والعالم منفتح، يدوّن ويوثق لكل شاردة وواردة، وفي ظل ترحيب مواقع التطرف والتشدد الغوغائي بالفتاوى والآراء العنيفة تُرسم صورة عن البلاد بالجملة كحاضنات للتطرف والتشدد، لا تقبل التسامح أو التساهل أو الرأي الآخر، حتى في إطار المؤسسات الدينية ورجالها. تابع الإعلام العالمي، كما تابعنا، الفتوى الأخيرة: (استتابة الداعين للاختلاط في العمل أو الدراسة، وإن لم يرجعوا فالواجب الشرعي هو قتلهم!!). وهي فتوى على عنفها وغرابتها لقيت ترحيبا كبيرا من قِبل مواقع تدعي أنها (صحف إلكترونية سعودية)، أو مساحات حوار مغلقة تغرد في سرداب ظلاميتها، وهذا أمر متوقع في الحقيقة؛ فالنشر الإلكتروني بحريته أصبح (فاضحا)، وليس إلا مرآة (تعكس) لأفكار كان تداولها يتم في محاضرات مغلقة أو تجمعات خاصة لفئات متشددة. الإشكالية في الخطاب الديني عموما هو عجزه عن التخلص مما يسمى ب(سلطة العامة) وقوة الاتباع؛ لذا هو يتأثر بهم أكثر من كونه مؤثرا فيهم، بل إن العلاقة وصلت إلى مرحلة متقدمة؛ إذ تُرمى الفتوى في أحضان (المتحمسين)، وطبقا لرغباتهم وتوجهاتهم، حيث (تضخ) التيارات المنظمة والمؤثرة والنافذة جرعات تدغدغ مشاعر الجماهير، وأحلام وهتاف وتكبير الأتباع. صحيح، هناك جهود كبرى على المستوى الفكري والإعلامي لمحاصرة أصحاب هذه الأفكار المتشددة والكشف عنهم، وعن المستغلين لبساطة رؤية أو أفكار مدارس دينية تقليدية، وإبقائهم تحت تأثير سلطة العامة وحماس الجماهير، وتشجيع الغوغائية. والغوغائية والأتباع هم أنفسهم مَنْ يقود الهجوم على علماء يملكون الشجاعة لرفض الرأي التقليدي (ما اعتاد الناس عليه)، والانتصار إلى (الرأي الشرعي)، والقدرة مع القوة على الاختلاف، مهما كانت الآراء غير اعتيادية. هؤلاء هم من نحتاج إلى المزيد منهم، علماء دين يدفعهم إخلاصهم إلى البُعد عن سلطة العامة، يدركون أن الفتوى مسؤولية، ومحاكمة الناس أمانة صعبة، يرفضون التكفير وإراقة الدماء، ويدفعون بمجتمعاتهم للتحديث، ويستوعبون أبعاد عالم اليوم، مسعاهم الحق والالتزام بالتعاليم الإسلامية الصحيحة وليس إرضاء العامة، أو قيادة التطرُّف. إلى لقاء.