تواصلت ردود الأفعال الغاضبة من الفتوى الأخيرة للشيخ وعالم الدين السعودي عبدالرحمن البراك والتي أفتى فيها بجواز تكفير وقتل من يبيح الاختلاط حيث اعتبر علماء الأزهر في مصر أنها فتوى جريئة ، مطالبين الشيخ البراك بالتراجع عنها حتى لا يتهم الدين الإسلامي بالتطرف الفكري ، فيما أكد الشيخ أحمد الغامدي صاحب الأطروحات المعروفة حول جواز الاختلاط باعتبار الفتوى لا قيمة لها ، ورأى باحث شرعي أن عدم الرد عليه يندرج ضمن الحرص على ناحية المجاملة الودية دون تقديم واجب النصح الديني . وجاء غضب علماء الأزهر من الفتوى على اعتبار أن الشيخ عبدالرحمن البراك وصل إلى درجة تكفير من يقول بأن الاختلاط جائز شرعا وهو ما ينسحب على علماء الأزهر الذين يقولون بجواز الاختلاط ولكن وفق ضوابط وشروط . وثارت ضجة في الأوساط السعودية بسبب فتوى جديدة تقول بقتل كل من يسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم في السعودية، والتي أصدرها الشيخ عبد الرحمن البراك الأحد 21-2-2010. وكان الشيخ عبدالرحمن البراك -77عاما- قد أكد في فتواه على موقعه الإلكتروني "جواز قتل من يبيح الاختلاط في ميادين العمل والتعليم واصفا من يقوم بهذا العمل بالإنسان المرتد الكافر الواجب قتله"، وقال:"من استحل الاختلاط فهو مستحل للمحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله". كما وصف البراك الرجل الذي يسمح لأخته أو زوجته بالعمل أو الدراسة مع الرجال بالشخص «الديوث» أي الذي لا يملك الغيرة على عرضه. فتوى البراك غير مقبولة من جهته قال الشيخ عبدالحميد الأطرش في تعليقه على فتوى البراك للعربية نت " وفق ما طرحه الشيخ البراك حول تكفير من يبيح الاختلاط ،فنحن جميعا مرتدون وكفرة ، ولكن هذا لا يجوز ، وفتوى البراك إن كانت وفق ما نشر عنها ، وعلى إطلاقها فهي فتوى باطلة". وأكد "الأطرش" : "الاختلاط بين الرجال والنساء جائز شرعا فى حدود الحشمة والأدب والوقار ، وإذا دعت إليه الضرورة . لقد بايع النبي محمد صلى الله عليه وسلم النساء في صلح الحديبية- صحيح أنه لم يسلم عليهن- ، لكنه خرج إليهن ورآهم ورأوه ، وأشار إليهم بيديه الشريفتين ، فهذا دليل قاطع على جواز الاختلاط ولكن وفق الحشمة والوقار ". وحول جواز الاختلاط في العمل والتعليم يقول الشيخ عبدالحميد الأطرش "لا مانع أن تخرج المرأة إلى العمل إذا كانت فقيرة وتحتاج إلى هذا العمل ولكن أيضا بشرط الالتزام بالآداب وألا ترتدي زيا ملفتا أو أن تتعطر ". هذا فيما قال الشيخ عبدالله مجاور مستشار شيخ الأزهر للإفتاء للعربية نت "إن فتوى الشيخ البراك فتوى جريئة ، وتحتاج إلى دراسة وتأنى " ، مؤكداً " الاختلاط ليس حراما على إطلاقه ، ولكن ما المانع إن خرجت المرأة ، وهى محتشمة إلى العمل أو الدراسة ، وقضت وقتها باحترام ووقار ، فهذا لا شيء فيه ". وأضاف الشيخ عبدالله مجاور " إن الاختلاط المحرم هو ما خرج عن حدود الدين ،وكانت المرأة فيه غير محتشمة ، وتتحدث بين الناس بطريقة تثير الغرائز ، أو الاختلاط في الأماكن العامة التي تشهد تناول المحرمات مثلا ، ونحن نقول إن مثل هذا الاختلاط هو المحرم ، ولكن حتى هذا النوع الأخير من الاختلاط لا يكفر من يفعله ، فالتكفير هو الخروج عن الملة ، ومن يجيز الاختلاط بالطريقة المحرمة يعتبر مرتكبا لمعصية ، وليس كافرا يستوجب قتله ". لا تستحق الالتفات لها وفي السعودية قال مدير هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكةالمكرمة، الشيخ أحمد الغامدي للعربية نت : " هذه الفتوى لا تستحق الرد عليها فهي تنقض نفسها بنفسها ". وأوضح " هو يقول الأسباب الدعوة لحياة الغرب الكاذبة وإتباع الشهوات مستدلا بقوله تعالى {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا } ثم قال ومن استحل هذا الاختلاط وإن أدى إلى هذه المحرمات فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر : فهو علق موضوع الاختلاط بالتعلق بالمحرمات وما يؤدي إليها والتي حددها ب لنظر الحرام والتبرج الحرام والسفور الحرام والخلوة الحرام والكلام الحرام بين الرجال والنساء، : والجملة الاعتراضية الموجودة في نص الفتوى تعلقها ولا تعطيها الأهمية ولا يجعلها تستحق النظر إليها " .. الفتوى متناقضة ووصف "الغامدي" تداولها بشكل واسع غريب فهي لا تستحق الالتفات بحسب رأيه ، وقال " يمكن تكون مقصودة لتهيج الناس لأن أصحاب الأفكار لديهم أفكار نظرية مؤامرات يريدون فقط إشاعة جملة من الفتاوى لترسخ في أذهان الناس أن هذا الأمر يصل لهذا الحد ، ولكن بأساليب في الكلام " . ويضيف " البراك يقول (ومن استحلها فهو كافر) فهو أرجعها للمحرمات واستحلالها وليس للاختلاط وهذا واضح ، وبإمكان أي شخص أن يقول أن فتوى البراك بعضها ينقض بعضا ، فلم يقل أحد بجواز الاختلاط بجواز تلك المحرمات . وأرى أنه ليس في الفتوى ما يستحق المرور عليها " . وفي جانب آخر وصف عدم الرد عليه من قبل العلماء وعلى من يؤيد هذه الفتاوى بأن " مثل هذا لهم سطوة ، ويخشى البعض أن يدخل معه في مهاترات يرى أنه في غنى عنها وعن الدخول في هذه المتاهة ، ثم أن هناك علماء كبار ومعروفين رأوا جواز الاختلاط وبعضهم من كبار هيئة العلماء تحدثوا في ذلك وهو في وسطهم ثم أن الدخول في مهاترات شخصية ليس من سمات العلماء ". الفتوى صادمة وغريبة من جهته قال الباحث الشرعي وعضو هيئة تحقيق سابق والكاتب بصحيفة "الرسالة" عبدالله العلويط " بالنسبة لتقنين الفتوى نستطيع أن نقول أن الفتوى التي يُعمل بها على المستوى الرسمي والحكومي من الممكن تقنينها ا لكن على المستوى الشعبي يصعب ذلك لأن ذلك يسبب احتكار الفتوى وهذا سيتداخل مع المرحلة الكهنوتية أو ما أشبه" . ويضيف "العلويط" : " ليس الحل في التقنين على المستوى الشعبي ، لكن الحل أن تتاح الفرصة للعلماء الآخرين المعتبرين للرد على الفتاوى مثل هذه وعلى الأقل أن يفهم صاحب الفتوى المتشددة أن هناك اختلاف حولها وعليها من علماء معروفين " ويؤكد "العلويط" الفتوى الأخيرة بالتكفير كانت مصادمة ومفاجئة للكثيرين ليس فقط على مستوى التكفير بل وأيضا على ماوصل له موضوع الاختلاط ، هنا انتكاسة من جهتين ، وهذا هو المزعج في هذه الفتوى أعادتنا لنقطة الصفر رغم كل ما تحقق في الفترة السابقة ". ويضيف: " من المهم المحاولة تقليل انفلات الفتوى ولن يكون ذلك إلا بمعرفة من يسعى للفتوى بأن هناك من سيرد عليه من العلماء المعتبرين وعلى الأقل تحصل لهم مسألة ألفة الرد عليهم ووجود الآراء الأخرى ، لكن مشكلتنا هنا في السعودية أن هناك عدم مبادرة في التصدي لبعض الفتاوى المتشددة بل أحيانا يأتي الاستنكار والرد من علماء وجهات علمية من خارج السعودية وهو لن يستطيع إطلاق مثل هذه الفتوى خارج السعودية ". ويتابع يضيف " وهناك بعض العلماء من لهم قاعدة شعبية قوية وعصبية فيطلقون مثل هذه الفتاوى ، وأنا أرى أن المنابر العلمية عليها دور كبير في هذا الأمر في مقاومة بعض التيارات التي تريد فرض توجهات متشددة ، ومن ناحية أخرى هناك من العلماء من لا يريد خسران شعبية ذلك العالم أو الحرص على علاقة اجتماعية قوية بينهم ، ولذلك تجدهم حتى يبتعدون عن المناظرات رغم قوة حجتهم في دحض آراء متشددة ، نريد انفتاح إعلامي أكثر من الموجود حاليا للمساهمة في منع التشدد في مسائل خلافية على الأقل ". وشدد على أن : " المشكلة في الحرص على العلاقات الشخصية وعدم النظر إلى أهمية توعية الناس وهناك أيضا فوبيا التغيير التي لا تعتبر مبررة وهناك ثقافة الخمول أيضا تداخلت في المجتمع كله".