إذا كان إخراج قيادة تنظيم القاعدة في السعودية وإضعافها والقضاء على إمداداتها اللوجستية استغرق عشرة أعوام فإن الوضع في اليمن يبدو بشكل مختلف؟ إذ إن وجود القاعدة في اليمن ليس وليد السنتين الأخيرتين كما يتصور البعض وإنما منذ فترة طويلة وهناك علاقة حميمية ابتدأت منذ التسعينات ونشطت بشكل واضح أثناء الحرب اليمنية (حرب الوحدة) وتشكلت خلاياها بعد الحرب على يد أبو طارق الفضلي وجمال النهدي، الذين انخرطوا مع أحزاب السلطة وتمت تسوية أمورهم المادية بعد ذلك، إلا أن هذا الوفاق لم ينهِ التنظيم في اليمن بل كان هناك عمل دؤوب وتشكلت قيادات أخرى برزت بشكل ملحوظ بعد أن ضربت القاعدة في تسع دقائق سفارتين للولايات المتحدةالأمريكية في نيروبي ودار السلام في العام 1998 كان أبو الحسن المحضار حينها يشكل خلاياه الجديدة في أبين لضرب المصالح الغربية في اليمن إلى أن تم اعتقاله في العام نفسه مع مجموعة من رفاقه وأعدم بعدها. ولعل من مفارقات القاعدة الغريبة التي اعتاد عليها المراقبون في ظل وجود مصالح للتنظيم أن القاعدة التي حاربت مع النظام اليمني ضد الجنوب في العام 1994 هي ذاتها اليوم تحقق اختراقا نفسيا لدى أبناء المناطق الجنوبية، تمكنت القاعدة بعدها من التحرك والتجنيد في أوساطها، ومن نشر رسالتها الإعلامية والدعائية، عزز من ذلك موقف أكبر قيادي في الحراك الجنوبي (طارق الفضلي) حين صرح أنه "من يقف معنا نقف معه" تعليقا له على تصريحات أمير القاعدة في شبه الجزيرة العربية حينها!. كما أن العمليات النوعية التي قام بها تنظيم القاعدة في اليمن تبين مدى قدرة هذا التنظيم على التخطيط والتدريب والتنفيذ على حد سواء في القوة حيث كانت أكبر ضربة (عسكرية) للقاعدة ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية هي تفجير المدمرة الأمريكية (يو أس أس كول)، في 12 تشرين الأول- أكتوبر عام 2000 في ميناء عدن، وهي أول عملية تفجير قام بها تنظيم القاعدة في اليمن، وأدت إلى مقتل 17 بحاراً أمريكيا، وإصابة 28 آخرين، وتعطيل المدمرة، بالإضافة إلى محاولة تفجير السفارة الأمريكية في صنعاء في سبتمبر 2008، كما أن محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف على يد عبدالله عسيري الذي قدم من اليمن لتنفيذ هذه المهمة كانت نقلة نوعية في وسائل التفجير المستخدمة والتي تعتمد على إخفاء المتفجرات داخل الجسم مما يصعب من كشفها عبر الأجهزة التقليدية وهي تقنية عمل التنظيم على تطويرها حيث وصل إلى مراحل متقدمة مكنته من المغامرة في تجربتها في اغتيال شخصية سياسية كبيرة. إلا أن الحدث الأكثر إثارة من تنظيم القاعدة في اليمن كان عملية التفجير الفاشلة، لطائرة الركاب المدنية الأمريكية التي قام بها الشاب النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب فوق مدينة ديترويت والتي كان تنظيم القاعدة في اليمن العقل المدبر لها. هذه الفلاشات السريعة تجعلنا نستنتج أن تنظيم القاعدة في اليمن وصل إلى مرحلة من الاندماج مع بعض فئات المجتمع النفعية في اليمن من تجار السلاح ودعاة الحرب ومشعلي الطائفية، وهو ما يؤكده النشاط الإعلامي الكبير للتنظيم والذي لا يتوفر عادة إلا في ظل أجواء من الدعم المادي والمعنوي والاسترخاء الأمني، فمؤسسة صدى الملاحم التي أعادت نوعا من الحراك الإعلامي الذي فقدته القاعدة بعد أن تم القبض على كوادرها الإعلامية في المملكة العربية السعودية، فسعت إلى إيجاد مركز إعلامي جديد يقوم بدور (صدى الجهاد) فأصدرت دورية صدى الملاحم بالإضافة إلى أشرطة الفيديو والأشرطة الصوتية التي تناولت فيها قضايا محلية وإقليمية ودولية، ولا تزال إلى اليوم قادرة على الإنتاج الإعلامي!.