تشكل القاعدة في اليمن تهديدا كبيرا للأمن ليس فقط لليمن، بل للمنطقة جراء انتشارها وتمددها خلال الفترة الماضية واستفادتها من انشغال مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية في الثورة حيث تمكنت من السيطرة على لودر وزنجبار وجعار في محافظة أبين، وعزان في محافظة شبوة مستغلة الأوضاع الاقتصادية والسياسية للشعب اليمني. فالقاعدة التي تتخذ من محافظة أبين منطلقا لعملياتها تعود جذورها إلى ما قبل حرب صيف 94م الأهلية. حينما عمدت عناصر قيادية عائدة من أفغانستان بهدف القضاء على الحكم الاشتراكي الذي كان يريد انفصال اليمن الجنوبي عن الشمال بعد توحيده عام 90م. وتمكنت القاعدة عقب انتهاء حرب صيف 94م من إقامة معسكر في جبال حطاط في منطقة المراقشة محافظة أبين تحت مسمى (جيش عدن أبين) بقيادة المتشدد خالد عبدالنبي، إلا أن الحكومة واجهتهم في عام 1998م، وأدت العملية إلى تدمير معسكرهم، والقبض على أبو الحسن المحضار، أحد عناصر القاعدة، وقائد المعسكر عبد النبي الذي خرج بضمانات. و لم تتوقف عمليات القاعدة في حينه، بل إنها نفذت هجمات عنيفة على مصالح ومنشآت غربية في اليمن كحادثه المدمرة الأمريكيةكول في ميناء عدن عام 2000م، وناقلة النفط الفرنسية في ميناء ضبة عام 2002م، حينها قال زعيم التنظيم أسامة بن لادن إنه أخذ بثأر المحضار. وفي فبراير عام 2006، فر 23 من معتقلي القاعدة بعد أن نجحوا في حفر نفق طوله 45 مترا بعمق خمسة أمتار في أقل من شهرين تحت مبنى الأمن السياسي في صنعاء، وشكل ذلك ضربة للسلطات تبعتها اتهامات متبادلة بين القادة العسكريين بالتورط بتهريبهم. في عام 2006م انتقذ بن لادن في أحد تسجيلاته الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، فجاء رد صالح بقتل أحد أهم عناصر بن لادن في اليمن فواز الربيعي (28 عاما) في عملية أمنية في عام 2006. وحتى عام 2002م كان قائد القاعدة في اليمن هو أبو علي الحارثي الذي قتلته المخابرات الأمريكية في صحراء مأرب في عملية قامت بها طائرة أمريكية بدون طيار. كما أن من أبرز قياداتها في حينه كان فواز الربيعي صاحب فكرة الهروب عن طريق حفر نفق تحت سجن الأمن السياسي في عام 2006، و قتل بعد أسبوعين من إحباط محاولتي تفجير مصافي النفط في الضبة وصافر في مأرب عام 2006، بالإضافة إلى حسان الخامري، وإبراهيم الثور اللذين قضيا في القارب المفخخ الذي دمر المدمرة الأمريكية كول عام 2000م. ففي عام 2006م قامت القاعدة بإعادة هيكلة لتنظيماتها ودعمتها بعناصر جديدة تحمل الخبرة والأفكار ذاتها التي كان يتبناها الحارثي والربيعي تغيير مسمى التنظيم إلى تنظيم جزيرة العرب في اليمن وبقيادة ناصر الوحيشي «أبو بصير» ونائبه سعيد الشهري لتنحسر عملياتها جراء محاصرة السلطات اليمنية لتحركاتها، وتضييق الخناق عليهم لتكتفي بأعمال تخريبية خاطفة كقتل جندي، أو الاعتداء على نقطة أمنية، أو تنفيذ عملية تستهدف دبلوماسيا. جاء ذلك في الوقت الذي كان الجيش والأمن اليمني يخوضان معارك في شمال اليمن في محافظة صعدة. ولذا لم يحاول الجيش حينها فتح جبهة جديدة معهم ليكتفي بالتضييق عليهم فقط، لكن المراقبين اليمنيين عزوا توقف أعمال القاعدة الإرهابية في تلك المرحلة بدخول التنظيم في خلايا نائمة في جبال شبوة حيث كانوا يمارسون مهنة رعي الأغنام كتمويه لتنقلاتهم ورحلاتهم بين الجبال لكنهم كانوا تحت المراقبة الأمنية. وأشار المراقبون إلى أن الهجوم الذي تعرضت له القاعدة في منطقة المحفد في أبين عام 2009م والذي قتل فيه العشرات من العناصر بينهم عدد من كبار قياداتها أثار حفيظتها لتعود إلى الظهور وبشكل علني في منطقة المعجلة حيث ألقى أحد القيادات خطابا توعد فيه أمريكا بالحرب متهما إياها الوقوف وراء الهجوم على معسكرهم ، فلم يدم ذلك القائد الذي ألقى الخطاب حيث لقي مصرعه في ضربة عسكرية جوية على أحد معسكراتهم في منطقة رفص في محافظة شبوة . ظلت المعارك والاعتداءات المتبادلة بين الجيش اليمني وعناصر القاعدة طيلة عام 2010م، ودارت معارك عنيفة في مديرية لودر في عام 2010م، ليعلن التنظيم عن إنشاء ما أسماه ب «جيش عدن أبين»، على لسان قاسم الريمي، المكنى ب(أبي هريرة الصنعاني) القائد العسكري لما يسمى القاعدة في جزيرة العرب. و رغم النجاحات التي حققها الجيش مؤخرا إلا أن القاعدة في اليمن ماتزال تشكل هاجسا يقلق المنطقة ودول العالم، خاصة بعد العملية النوعية التي تمت أمس الأول في ميدان السبعين. فتنظيم القاعدة ينظر لليمن من جوانب متعددة، أهمها أنها عبارة عن سلسلة من مجتمعات قبلية محافظة تنتشر في مناطق جبلية وعرة لا تسيطر عليها الحكومة، فيما يعتبر الكثير من المراقبين أن اليمن هي المعقل الأخير للقاعدة، ولم يستبعدوا خوض حكومة هادي مواجهات عسكرية لدحر التنظيم نهائيا من أبين لكي تتمكن الحكومة من التفرغ لبناء الدولة الحديثة .