بعد معارك طاحنة شهدتها منطقة لودر بمحافظة أبين جنوب اليمن خلال الأيام الماضية، أعلن تنظيم القاعدة منطقة لودر ولاية للمجاهدين، وسبق ذلك، الإعلان عن تحضير محافظة مأرب لتكون "الإمارة" الأولى للتنظيم على الأراضي اليمنية. وهذه التطورات الكبيرة تطرح تساؤلات بذات الحجم: هل صار بمقدور القاعدة التمدد أكثر على الأراضي اليمنية وتشكيل "ولايات وإمارات"، وتحويل بعض المناطق إلى مناطق نفوذ ، وأخرى إلى "ملاجئ آمنة" بحيث يتمكن التنظيم من إيجاد ساحة خلفية له لمواجهة الدولة والولاياتالمتحدة إذا ما صدقت التقارير الإعلامية الأمريكية من درسها لخيار التدخل العسكري المباشر لمحاربة القاعدة على الأراضي اليمنية؟ لماذا لودر ومأرب ؟ يرى مراقبون للشأن اليمني أن اختيار القاعدة منطقة لودر ساحة مفتوحة للمواجهات مع النظام يعود إلى كون محافظة أبين كانت منذ التسعينيات محطة ثابتة من محطات تنظيم الجهاد، الذي حارب إلى جانب خصوم الحزب الاشتراكي اليمني، حيث تهيأت له كافة الظروف لتبقى أبين "ساحة المدد" لتنظيم الجهاد ولاحقاً القاعدة، فجبال حطاط والمراقشة المحصنة كانت واحدة من الظروف التي جعلت لتنظيم الجهاد ومن ثم القاعدة حضوراً بارزاً في المشهد. وعلى الرغم من محاولة الدولة تقليم أظفار الجهاديين في أبين إلا أنها حتى الآن لم تفلح، خاصة بعد العمليات التي تبناها تنظيم الجهاد، وكانت أشرسها المواجهات التي وقعت في محافظة أبين عام 1998، وأدت إلى مقتل وجرح العديد من السياح، غالبيتهم من البريطانيين. أما في الوقت الحاضر فإن القاعدة استغلت الظروف التي هيأها تنظيم الجهاد بزعامة أبو الحسن المحضار وخالد عبدالنبي وغيرهما من عناصر الجهاد لتحول جبال المراقشة إلى حاضن للتنظيم الجديد. وجاءت الأحداث الأخيرة التي شهدت فيها المناطق الجنوبية حالة من الفوضى بسبب تزايد نشاط الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال لتضع أوراقا جديدة في أيدي القاعدة". ويقول قيادي في القاعدة إن التنظيم نقل نشاطه إلى المناطق الجنوبية من البلاد لأن الأرض والظروف مواتية أكثر للقيام بعمليات ضد الدولة". ويستبعد غالب الزايدي، وهو من قيادات التنظيم بمحافظة مأرب، تمكن الدولة من القضاء على القاعدة في اليمن بسبب ما يقول إن التنظيم أصبح أكثر قوة من الناحية التنظيمية وتكتيكه الحربي "مقابل الوضع السيئ الذي تعاني منه الحكومة في الجانب الأمني ومشاكلها مع عناصر التمرد في صعدة والحراك في الجنوب". لهذا يبدو أن التنظيم بدأ يوسع من تواجده في المناطق التي يشعر أن هناك فراغاً للدولة فيها، مثل مأرب والجوف وأبين. وكان من أبرز الشواهد على ذلك ما أقدم عليه التنظيم من حشد العشرات من أنصاره من مناطق مختلفة إلى أبين للمشاركة في المعارك الطاحنة التي دارت مع قوات الجيش في منطقة لودر، بينهم أجانب أبرزهم سعوديون ومصريون. وبعد أسبوع من المعارك وزعت القاعدة في جزيرة العرب "منشورات في المساجد والمحلات التجارية والأسواق العامة تعلن فيها لودر ولاية للمجاهدين". أما مأرب فإن الكثير من المراقبين يرى أنها ساحة المواجهات الأكبر مع القاعدة في اليمن، فهي تتوسط الخارطة الجغرافية اليمنية وتعتبر همزة وصل تختزل المسافات والزمن باتجاه الشرق والغرب والجنوب والشمال وجسر عبور حدودي طالما مثّل الخيار الأفضل والأقل كلفة للمتسللين اليمنيين والأفارقة إلى دول الجوار الخليجي، وللصوص الآثار وسماسرة تهريب الأطفال والسلاح والمخدرات عبر الحدود لكنها بالنسبة للقاعدة كانت ولا تزال محطة عبور قياسية متعددة المسالك إلى مسرح العمليات المؤثر بحقول صافر النفطية بجنوب الصحراء وخطا خلفيا للانسحاب إلى المخابئ الجبلية الآمنة في محافظات مجاورة كالجوف وشبوة وحضرموت، وممرا للنفاذ إلى مناطق عمليات جديدة. ويستدعي تقصي أثر مواقع تمركز عناصر القاعدة بمأرب، بالضرورة الاقتراب أكثر من منطقة "وادي عبيدة " التي تشكل مع مديريتي صرواح وحريب ما يمكن وصفه ب "مثلث التمركز الرئيس لعناصر التنظيم". يقول الشيخ ناصر أحمد صالح فراس، أحد الوجاهات القبلية بمنطقة حريب "لا توجد بمأرب ملاجئ آمنة للقاعدة، لكن هناك مناطق تمركز محدودة وهي أشبه بمخابئ مؤقتة وغير محصنة تحاط أحيانا بحماية قبلية كون بعض القاعدة ينتمي لهذه القبيلة أو تلك وأعضاء" القاعدة من أبناء القبائل معروفون، وهم محدودو العدد ويتمركزون في مواقع معينة وغير ثابتة في وادي عبيدة وحريب وصرواح، وهم يختفون أحيانا لأيام أو أسابيع ثم يظهرون ويتنقلون بين هذه المناطق الثلاث". وشهدت مناطق تمركز أعضاء القاعدة في وادي عبيدة ومديريتي صرواح وحريب بمأرب خلال الأشهر الأخيرة تركيزاً أمنيا لافتا ترافق مع تنفيذ حملات تمشيط مكثفة ومتفرقة أسفرت في مجملها عن سقوط 20 من عناصر التنظيم في قبضة وحدات مكافحة الإرهاب قبيل أن تتعرض منطقة وادي عبيدة لهجوم نفذته وحدات أمنية وعسكرية. وجرى استهداف مزرعة بن معيلي "التي ينتمي ثلاثة من أبنائها للقاعدة من أبرزهم مالك بن سعود بن معيلي، المتهم الرئيس بالوقوف وراء عملية تهريب 23 من عناصر التنظيم بينهم قيادات ميدانية من سجن تابع لجهاز الأمن السياسي بصنعاء قبل عدة أعوام. كما شهدت ذات المنطقة تنفيذ هجوم مماثل استهدف منزل أحد أبرز المطلوبين من القاعدة، يدعى عريدان، إلا أن توقيت شن الهجوم تزامن مع تمركز بعض عناصر التنظيم في مزارع مجاورة، ما أدى إلى اندلاع اشتباك مسلح مع القوات الأمنية تمكن خلاله" عريدان من الفرار من المنطقة. ودفع هذا الأمر التنظيم لاحقا إلى اعتماد إستراتيجية ميدانية جديدة ترتكز على توسيع نطاق عمليات خلايا " القاعدة " لتشمل مناطق جديدة خارج مثلث "مأرب – الجوف – شبوة". يقول العميد محسن نصر عبدالله فاضل، قائد إحدى الحملات الأمنية التي نفذت في يناير المنصرم على تنظيم القاعدة بمأرب إن الضربات الاستباقية أربكت عناصر القاعدة ، وهو ما سهل سقوط العديد منهم وربما يكون ذلك هو سبب توسيعهم لنطاق عملياتهم الإرهابية بهدف تشتيت التركيز الأمني عليهم ولإثبات أن التنظيم لا يزال متماسكا. وأضاف "الحقيقة التي يدركها عناصر القاعدة جيدا أن وضعهم يزداد كل يوم صعوبة نتيجة نجاح القوات الأمنية في كشف مواقع تمركزهم وتوجيه ضربات مفاجئة لهم، لكن تنفيذهم لبعض الهجمات في مناطق جديدة يدلل أيضا أن أعدادهم زادت". إمارة الصحراء تفتقد السجلات الأمنية اليمنية لتقديرات دقيقة تحدد حجم تنظيم القاعدة في البلاد باستثناء التكهن بأن العدد المحتمل يصل إلى 300 شخص، إلا أن مصادر أمنية مطلعة ومعنية بملف مكافحة الإرهاب كشفت ل"الوطن" عن بعض التفاصيل التي كانت مبهمة وتحديدا ما يتعلق بهوية أعضاء التنظيم المتواجدين في اليمن بالقول إن "ما يزيد عن نصف أعضاء القاعدة المتواجدين في اليمن بصورة مؤكدة يحملون الجنسية اليمنية وعددهم يصل إلى ما يقدر ب 180 عضواً، أما عناصر التنظيم الأجانب فهم يحملون جنسيات مصرية ومغربية وليبية وسعودية. ويعتبر السعوديون أصحاب النسبة الكبرى من بين هؤلاء وعددهم يتراوح بين 50 و70 عضوا ومعظمهم مطلوبون للسلطات السعودية على خلفية قضايا ذات صلة. من هنا لا خارطة طريق يمكن أن تفضي إلى الأرض التي تحتضن الإمارة الإقليمية للتنظيم والتي أنشئت في يناير من 2008 في اليمن؛ فتقصي أثر مطلوبين أمثال الشيخ أنور العولقي الداعية الذي يعتقد أنه الزعيم التنظيمي وليس الميداني للقاعدة في اليمن، وناصر الوحيشي السكرتير السابق لزعيم القاعدة أسامة بن لادن ونائبه السعودي سعيد الشهري وغيرهم من قيادات الصف الأول في التنظيم الناشئ عن ائتلاف فرعي القاعدة في اليمن والسعودية لا يزال أمرا أشبه ب"أحجية " تتداولها على استحياء السلطات الأمنية اليمنية التي عكفت خلال العامين الماضيين على تمشيط الصحراء والوديان والجبال والقرى النائية على امتداد الحدود بحثا عما ما تعتقده "ملاجئ آمنة" يختبئ فيها المطلوبون، قبيل أن تسفر حملات التعقب المتتابعة عن اعتقال نحو 132 من عناصر التنظيم والمشتبهين والذين تم التقاطهم خلال عمليات دهم متفرقة شملت كبريات المدن الرئيسة، فيما احتفظت الصحراء والقرى الحدودية الممتدة على مثلت مأرب– الجوف- شبوة " بأسرار خارطة المخابئ الآمنة للملاحقين من عناصر وقيادات التنظيم في اليمن. يقول العميد محسن نصر عبدالله فاضل "لقد وصلت حملات التمشيط إلى أكثر القرى النائية في جبال الجميمة والشعب والوثبان ومردح والعيونة والواقة في مديرية حريب القراميش بمأرب وأيضا جبال العريف ودخلت إلى كل المناطق المشتبه في إيوائها للمطلوبين من القاعدة في الجوف وشبوة، لكن لا أثر للمطلوبين البارزين الذين تتصدر أسماؤهم القائمة السوداء، إنهم يبدون كالأشباح لكنهم في الغالب يختبئون في مكان ما في ذات المثلث الذي تم تمشيطه، ربما يحظون بمساعدة بعض القبائل وقاموا بإخفائهم، لكنهم بدون شك صيد صعب الوقوع، وهذا لا يعني أنهم لن يسقطوا يوما في قبضة حملات التمشيط". خفافيش الظلام استعصاء العثور على قيادات الصف الأول في القاعدة باليمن رغم حملات التمشيط المتلاحقة والتي استخدمت فيها تقنيات تعقب متقدمة حصل عليها اليمن من الولاياتالمتحدة في إطار التعاون الاستخباراتي بين البلدين، يرجع في الغالب لاعتبارات لا علاقة لها بكفاءة فرق التعقب الأمنية والعسكرية بقدر ما هو انعكاس لمهارات وحرفية عناصر القاعدة في استخدام أساليب التمويه والاختباء واعتماد تدابير أمنية احترازية دقيقة في التحرك والتنقلات. يقول الشيخ منصر ابراهيم الشرجة، أحد الوجاهات القبلية بمنطقة حريب بمأرب إن "عناصر القاعدة كالخفافيش يتحركون في الليل ويختفون في النهار وهم يستغلون المناطق الصحراوية غير المأهولة لعقد اجتماعاتهم التي في الغالب ما تكون في المساء وهم لا يجتمعون في مخبأ واحد بل يتوزعون في عدة مخابئ ولا يقيمون في أية منطقة سوى ساعات فهم يتنقلون بشكل مستمر في الجبال لتجنب حملات المداهمة ويستخدمون وسائل اتصال آمنة لتبادل المعلومات فيما بينهم، إنهم يحيطون تحركاتهم بتدابير مشددة للغاية". والتدابير الأمنية التي يلجأ إليها عناصر التنظيم في اليمن للصمود أمام كثافة حملات التعقب تشمل أيضا الركون إلى ماهو أكثر حيطة من مجرد التعاطف القبلي أو الحصول على حقوق "الرباع"، وهو عرف قبلي سائد في المجتمعات القبلية الحدودية يحظر على القبيلة تسليم اللاجئ إليها الممنوح حق "الرباع"، حتى لو كان فارا على ذمة جريمة قتل أو قضية إرهاب، فالتدابير الاحترازية لتأمين ساتر قبلي تتوارى خلفه المخابئ والملاجئ الآمنة لا تخلو من كلفة مالية إضافية إلى نفقات الإعداد والتدريب وشراء الأسلحة وتنفيذ الهجمات المباغتة والتي يضطر عناصر القاعدة إلى دفعها في شكل هبات أو منح مالية سخية تقدم لبعض مراكز القوى القبلية المؤثرة كمقابل خدمات إيواء مؤقت أو حماية اضطرارية، الأمر الذي يكشف استمرار حصولهم على مصادر تمويل داخلية وخارجية لا تزال في مجملها مبهمة. يقول العميد منصر مسعد أحمد العقاب، وهو من المعنيين بملف تعقب مصادر تمويل القاعدة إن "عناصر القاعدة يستغلون الصحراء في تحركاتهم ويمتلكون سيارات كبيرة مهيأة للتحرك والتنقل في بيئة صحراوية، كما أنهم يمتلكون أموالا تساعدهم في التنقل بين المدن وشراء الأسلحة التي يتم اقتناؤها من تجار سلاح يمنيين وهو ما دفع الحكومة في وقت سابق إلى تنفيذ حملة موسعة لشراء الأسلحة من تجار السلاح وبأثمان أحيانا مضاعفة بدلا عن قيامهم ببيعها لعناصر القاعدة الذين يحصلون على الدعم المالي في الغالب من متعاطفين سواء من داخل اليمن أو بعض دول الخليج، ويتم توصيلها إليهم عبر وسائل التحويل المالي التقليدية كخدمات "الويسترن يونيون" أو محلات الصرافة إذا كانت من الخارج، أما إذا كانت من الداخل فهم يستخدمون طريقة التحويل عبر وسائل المواصلات". أجانب تحت دائرة الاشتباه اعتقلت السلطات اليمنية نحو 32 أجنبيا منذ بداية العام الجاري للاشتباه بعلاقتهم بالقاعدة، بعض هؤلاء تم التقاطه من مناطق حدودية متاخمة لمواقع يعتقد أنها تمثل مناطق تمركز لعناصر التنظيم بمأرب والجوف وشبوة ضمن حملة أمنية غير معلنة استهدفت تجفيف منابع الإمدادات البشرية لتنظيم " القاعدة". ذات الحملة توجهت إلى حيث يمكن العثور على أجانب بمواصفات النيجيري الفاروق عبدالمطلب المعتقل في واشنطن على خلفية محاولته تفجير طائرة ركاب أمريكية" معاهد تعليم اللغة العربية للأجانب"، والتي أخضعت لرقابة أمنية وتقديم "بيان حالة" عن كل دارس أجنبي أو لا يزال بصدد استكمال إجراءات الالتحاق، فيما لم تتردد السلطات اليمنية مجددا في مداهمة معهد "دار الحديث" الذي يمثل إحدى الأكاديميات الدينية المتخصصة الأكثر جذبا للدارسين الأجانب إلى جانب "جامعة الإيمان بصنعاء ومعهد المصطفى" بتريم بمحافظة حضرموت وتعزيز إجراءات الرقابة الإلكترونية في المنافذ الجوية عبر تركيب أجهزة فحص متطورة قدمت لليمن من الولاياتالمتحدة كمنحة إضافية تحت بند التعاون في مكافحة الإرهاب. الانحسار الطارئ لشعبية القاعدة في مأرب تجاوز أوساط المتعاطفين أو القبائل الغاضبة إلى بعض الشباب الذين ذهبوا في تعاطفهم مع التنظيم بعيدا إلى حد الانخراط في صفوفه. أحد هؤلاء يدعى زيد اليماني، وهو الاسم المستعار الذي فضل تقديم نفسه به لاعتبارات أمنية واجتماعية، وهي ذات الاعتبارات التي دفعته إلى الإصرار على الاكتفاء بالتقاط صورة خلفية له دون إظهار ملامح وجهه. وقد استهل حديثه ل"الوطن" بسرد تفاصيل علاقته بالتنظيم لخص من خلالها أسبابه الخاصة التي دفعته إلى الانشقاق عن التنظيم والتحول لاحقا إلى داعية يحمل السلاح على كتفه وتبنى خطابا دينيا مناهضا لفكر القاعدة عقب مصرع صديق له على يد رفاقه من عناصر التنظيم. ويقول "لقد تعرفت عن قرب على الكثير من عناصر القاعدة في مأرب وأعجبني التزامهم واستعدادهم للتضحية من أجل الدين، وما كنت لأفكر في تركهم أبدا لولا أنني لم أجد تفسيرا للأسباب التي يمكن أن تسوغ للتنظيم قتل رجل مسكين قدم من تعز إلى مأرب للعمل رئيسا لقسم التحريات. ويضيف "لقد عرفت بسام طربوش في وقت سابق لالتحاقي بالتنظيم وكان رجلا ودودا حسن التعامل معي ومع الناس، لكنه قتل بطريقة بشعة من قبل بعض عناصر القاعدة، وهو ما لم أتقبله أو أجد له مسوغا يجيز قتل الناس لمجرد أنهم يعملون في مصالح أمنية أو حكومية، هذا في نظري ليس الطريق إلى الجنة، لأن الجنة لن تكون كما أتصورها مفروشة بدماء أبرياء يدينون بالإسلام، والجهاد لن يكون بإطلاق النار في الظلام على موظفين في قسم شرطة أو مصلحة حكومية والهروب إلى الجبال كالقتلة وليس كالمجاهدين". حرب خفية الحرب المحتدمة بين الحكومة اليمنية والقاعدة تجاوزت حدود الصحراء مترامية الأطراف والمناطق والقرى الحدودية النائية إلى ساحات متقدمة لمواجهات من نوع آخر، وإن استهدفت تحقيق ذات الغاية التي يتطلع إليها كل طرف بتحقيق انتصارات من شأنها إضعاف حضور الآخر وقدرته على الفعل. وفرض هذا الأمر سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع ببن الجانبين باللجوء إلى استخدام أساليب وأنماط وأدوات مغايرة لكسب الرهان في حرب بدت أكثر ضراوة من معارك الصحراء والاشتباكات التي عادة ما تردد صدى دويها الجبال الحدودية. وفيما لجأ تنظيم " القاعدة " إلى التركيز على استقطاب دماء جديدة من صغار السن وتجنيدهم وإعدادهم لتنفيذ عمليات انتحارية، كان آخرها المحاولة الفاشلة لاغتيال السفير البريطاني بصنعاء قبل أشهر قليلة، لجأت الحكومة إلى استخدام أسلوب الترغيب والتحفيز والاستعانة بوجاهات قبلية مؤثرة ومعتقلين من القاعدة جرى الإفراج عنهم لفتح قنوات اتصال منفردة مع بعض المطلوبين من التنظيم لتحفيزهم على المسارعة بتسليم أنفسهم طواعية للسلطات الرسمية مقابل الحصول على امتيازات إطلاق السراح المشروط برقابة أمنية لاحقة مع التعهد بعدم الانخراط مجددا في صفوف القاعدة" ونبذ العنف. ويقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الأصولية العميد المتقاعد ناصر أحمد عبد الرحمن القرشي إن "استقطاب صغار السن وتجنيدهم لتنفيذ عمليات انتحارية أسلوب لجأ إليه التنظيم كوسيلة لتعويض الخسائر في صفوفه، وأيضا لتأكيد قدرته على التأثير والتجنيد. وقد تمكنت السلطات الأمنية في يناير الماضي من إحباط مخطط للقاعدة استهدف شن هجمات انتحارية في العاصمة صنعاء إثر اعتقال عناصر خلية انتحارية مكونة من 13 شخصا جميعهم من صغار السن". ويضيف القرشي "حصل نحو 814 من عناصر القاعدة والمشتبهين على إفراج مشروط بتقديم ضمانات بعدم العودة مجددا إلى العنف وصفوف القاعدة، كما نجحت وساطات قبلية في إقناع ما يزيد عن 95 من أعضاء التنظيم بتسليم أنفسهم طواعية للسلطات اليمنية وذلك في إطار إستراتيجية أمنية نوعية اعتمدتها الحكومة اليمنية ترتكز على السعي لإحداث تصدعات في صفوف القاعدة.