في مسابقات ملكات الجمال العالمية، هناك فقرة يعتمد عليها كثير من نجاح ملكات الجمال وهو السؤال الثقافي. في هذه الفقرة يسأل المذيع المتسابقة سؤالا عن إحدى القضايا العامة مثل الجوع أو الفقر أو ثقب الأوزون، وهي عليها أن تجيب جوابا لطيفا متماسكا في عباراته يحمل العاطفة الإنسانية وبعض الأفكار التي توضح أن لديها القدرة لاحقا للمشاركة في الجولات الدعائية – الإنسانية التي تقوم بها ملكة الجمال بعد فوزها. في العادة تتلقى ملكات الجمال شيئا من التدريب للمشاركة في هذه الفقرة، حيث تصبح في النهاية قادرة على قول شيء ما، شيء متماسك في عباراته ويحمل بعض المصطلحات العاطفية الجذابة والاهتمامات العالمية (مثل حقوق الإنسان) للإجابة عن أي سؤال قد يأتي في المسابقة. بطريقة ما هي تصبح مستعدة لقول رأي ما مناسب للجمهور حول أي قضية قد تطرح عليها بما في ذلك الأسئلة الصعبة التي تتحدث عن ''الاتجار بالبشر'' أو ''أزمة الشرق الأوسط''. بشكل ما مثير للأسى، بعض ''المثقفين'' والكتاب في الصحف يفعلون الشيء الذي تفعله ملكات الجمال نفسه فهم يدربون أنفسهم ببعض العبارات والمصطلحات والأفكار العمومية مع كثير من القدرة الإنشائية، حيث يكتبون كل يوم أو كل أسبوع مقالا حول أي قضية يستعرضون من خلاله هذه المهارات في بناء مقال صحافي أو تصريح صحافي أو رأي سياسي أو حتى رياضي أو فني، فيه كثير من صف الكلمات ليخرج القارئ بلا شيء في النهاية. قد يقول قائل إن هذا الواقع الذي يمكن ملامسته من خلال تصفح معظم الصحف العربية ليس بمشكلة لأن القارئ في النهاية ذكي وسيكتشف الغث من الثمين، وسيعرف الكاتب المميز، ويكف عن قراءة الكاتب الضعيف الإنشائي. المشكلة أن كثرة هؤلاء الكتاب تزيد من كمية الغث في الثقافة والإعلام العربي، وتجعل البحث عن الثمين صعبا، كما أن المشكلة أن كثيرا من هؤلاء الكتاب يصبح نجما في المناسبات الرسمية ويصبح صاحب رأي، ويلجأ إليه في المؤتمرات مما يزيد الوضع سوءا عندما تضطر لحضور جلسات في مؤتمرات مهمة لا يختلف الكلام فيها عن طريقة كلام ملكات الجمال. في الإعلام الغربي وحيثما يوجد إعلام مميز حول العالم يتطور الكاتب بشكل مختلف، بشكل منطقي يقلل من فرص وصول من لا يعلم ومن ليس لديه رؤية مميزة إلى لقب كاتب أو صاحب رأي، وهي ببساطة أن الكاتب يبدأ في الأصل متخصصا، لديه مجال معين مهتم به، ولديه المعلومات الكافية فيه، حيث عندما يكتب يكون لديه الجديد الذي يضيفه لحياة الناس بحكم تخصصه، ثم يبدأ هذا الكاتب في التوسع فيما يكتبه حتى يصبح كاتبا عاما يتناول مجالا واسعا من القضايا. خذ مثلا كاتبا عظيما مثل توماس فريدمان، والذي يعد واحدا من ألمع الكتاب الصحافيين في العالم (بغض النظر عن آرائه). فريدمان حصل على البكالوريوس في دراسات البحر الأبيض المتوسط والماجستير في دراسات الشرق الأوسط، ثم صار في عام 1981 مراسلا لجريدة ''نيويورك تايمز'' لشؤون أوبك والنفط، ثم توسع ليغطي قضايا الشرق الأوسط عموما وكتب كتابه ''من بيروت إلى القدس'' (في 1989م)، ثم صار يكتب في قضايا السياسة العالمية مع تركيز خاص على الشرق الأوسط، علما بأن لديه فريقا من الباحثين المتخصصين يضم أكثر من 12 باحثا يساعدونه فيما يكتب. فريدمان ليس نموذجا فريدا وإن كان قد نما بسرعة فلو تأملت السير الذاتية للكتاب الغربيين لرأيت طريقا مشابها، طريقا يبدأ من التخصص ثم يتوسع تدريجيا حسب قدرة الكاتب وذكائه وقبول الجمهور له. هناك بعض الكتاب العرب الذين لديهم سيرة ذاتية مشابهة، ولكن أكثر من يكتب يتحدث عن الشأن العام منذ البداية، ولا بأس لديه أن يتناول قضايا السياسة العالمية والاقتصاد والرياضة متى ما شاء. المشكلة طبعا ليست من الكاتب فقط، بل إن وسائل الإعلام ترغب في الكاتب العام أكثر من المتخصص، كما أن المجتمع يمنح تقديره السريع والمتعجل جدا لمن يكتب في كل القضايا مقارنة بالكاتب المتخصص الذي ينظر إليه على أنه ''أكاديمي'' أو ''كتاباته محصورة في مجالات معينة فقط''. لعل أكبر إثبات على هذا الفارق بيننا وبينهم أن كلمة ''مثقف'' ليس لها مقابل إنجليزي شائع في الإعلام الغربي، لأن فكرة الرجل الموسوعي الذي يتكلم في كل قضية ويتحدث عن كل موضوع، ولديه رأي أينما ذهب، فكرة ليس لها التقدير الكافي في المجتمع الغربي بحيث يخلق قطاع اسمه المثقفون، كما أن العالم ليس فيه جوائز للمثقفين، ولا موسوعات للمثقفين، ولا مؤتمرات للمثقفين، بينما نحن نعيش الواقع المعاكس تماما. فقط المثقفون العرب وملكات الجمال يمكنهم الحديث عن كل القضايا!