محمد بن عيسى الكنعان - نقلا عن موقع صوت الحق سبق أن قلت إن (الليبرالية) ليست (سَلطة) يمكن تحضيرها بسهولة ومن ثم بلعها ، أو (ماكينة) يمكن تشغيلها حسب الاحتياج وفق (كتالوج) مرفق معها ، إنما (منظومة) فكرية لها أسُسها الفلسفية ومحدداتها الفكرية ومرجعيتها الحضارية ، وهي نتاج تجربة تاريخية مريرة عاشها العالم الغربي لأكثر من ستة قرون بأسبابها وظروفها ومراحلها ، وقد كانت عاملاً رئيساً في الحضارة الغربية القائمة اليوم . لذلك ف(الليبرالي الحقيقي) حسب الرؤية الغربية لليبرالية هو من يؤمن ب(النظرية الرأسمالية) في الجانب الاقتصادي ، و(الفكرة العلمانية) في الجانب الاجتماعي ، و(العملية الديمقراطية) في الجانب السياسي . وبقياس ما سبق ذكره على واقعنا المحلي السعودي يمكن فهم عدم وجود ليبراليين حقيقيين لدينا ، لأن من يزعمون الليبرالية لا يعترفون بالاعتقادات الثلاثة المشار إليها ، سواء ً عدم الثقة بما ينادون به أو خوفاً من ردة فعل المجتمع ، فيمارسون تزييفاً بأن الليبرالية لا تتعارض مع الإسلام ، حتى يمكن تسويقها في مجتمعنا . لهذا أتفق مع الدكتور عبد الله الغذامي في فهمه الواعي لليبرالية ، ومن ثم تجريده لمن يسمون أنفسهم بالليبراليين واعتبارهم (أدعياء) !! من ذلك كله يمكن فهم (عدم فرح الليبرالي بإسلام الأميركي) ، لأن هذا الفرح لا ينسجم أساساً مع الأساس الفلسفي لليبرالية ، التي تتجاوز المقدس وتجعل كل شيء خاضع للنقد ، لأن اهتمامها ب(الإنسان) وليس (دينه) أو (جنسه) أو (عرقه) !! فضلا ً عن أن من يسمون أنفسهم ب(الليبراليين) لا يمكن أن يعلنوا فرحتهم بهذا التحول الديني ، كون ذلك ينقض منهجهم (التغريبي) القائم على تسويق القيم الغربية في أطروحاتهم وأفكارهم ، فحالة إسلام واحدة في مجتمع غربي مفتوح تعني أن (قيم الإسلام) عالمية وإنسانية وأنها يمكن أن تحل محل قيم التغريب التي يروجون لها . ما يؤكد بالأساس إلى وجوب أن يتبنوا قيم الإسلام وليس القيم المستوردة ! قد يقال إن قيم الليبرالية تتفق مع قيم الإسلام ، خاصةً في مجال الحرية والعدالة والمساواة ، وهذا صحيح !! ولكن مكمن التعارض هو في تطبيقات هذه القيم على أرض الواقع والمرجعية التي تحكمها .