يبدو أن مقولة الحرب في اليمن شأن داخلي، لم تعد مناسبة لما يدور في شمال اليمن من حرب شعواء بين الحكومة اليمنية، ومن يوصفون بالمتمردين الحوثيين، فقد امتد لهيب نار هذه الحرب ليطال المملكة العربية السعودية، من خلال المواجهات بين المتسللين من الحوثيين والقوات السعودية، التي رأت من واجبها حماية حدودها الجنوبية الغربية، ولم تتردد دول مجلس التعاون الخليجي عن مساندة الموقف السعودي فيما اتخذته المملكة من خطوات، انطلاقا من وحدة الموقف الخليجي تجاه المشكلات والتهديدات التي تواجه دوله، وباعتبار أن أمن أي دولة هو من أمن المنظومة الخليجية جميعا. لكن تلك الأحداث أعادت للواجهة علاقة مجلس التعاون الخليجي باليمن، وهي العلاقة التي تطورت بإدخال اليمن لبعض المؤسسات الخليجية كمقدمة لفكرة انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي. واليوم يعاد طرح السؤال: هل من المناسب السير قدما في هذه الخطوة، أم إعادة النظر فيها، بل فيما تم، باعتبار أن اليمن يواجه مشكلات داخلية تحول دون ذلك. لكن الواقع يشير إلى أن إبعاد اليمن ليس هو الحل المناسب. فاليمن يؤثر تأثيرا مباشرا في شأن المنظومة الخليجية، سواء كان هذا التأثير مباشرا أم غير مباشر.. وما هذه الحرب إلا دليل على ذلك. والقول بالسير في فكرة انضمام اليمن لدول المجلس، لا يعني أن يدخل اليمن محملا بمشكلاته الداخلية، بل لابد من حل لهذه المشكلات. ولاشك أن دول مجلس التعاون يمكن أن تسهم في هذا الحل بصور مختلفة. كما أن حل مشكلات اليمن سيسهم في استقرار المنطقة بصفة عامة. ولعل من المهم الإشارة إلى أن مشكلات اليمن لم تبدأ مع حركة الحوثيين، أو مع الحراك الجنوبي، بل تعود جذورها إلى ما هو أعمق من ذلك، وربما لا تبدو الصورة واضحة من خلال غبار المعارك الدائرة في صعدة، أو غبار المسيرات والمظاهرات في الجنوب، إذ إن جذور المشكلة في اليمن تعود إلى غياب التنمية. ومهما كانت الدوافع السياسية لهذا الغياب، فإن معظم الأسباب التي قامت من أجلها حركات التمرد العسكري في الشمال والسلمي في الجنوب -كما يعلنها أصحابها- تعود إلى حرمان مناطقهم من التنمية المتساوية مع باقي المناطق، وهيمنة فريق على القرار الاقتصادي والسياسي في البلد. وقد كانت هذه الدوافع هي المحرك الأساس لعامة المشاركين في الأحداث، وقد استغل قادة هذه الأحداث هذا الحرمان لتمرير «أجندتهم» التي تحولت إلى مطالب «تغييرية»، كما هي مع الحوثيين، و«انفصالية»، كما هي مع الحراك الجنوبي. وما لم تحل مشكلة التنمية في المناطق «القلقة»، فستبقى تقدم المبررات تلو الأخرى لأي مشكلة قادمة قد تواجه اليمن في المستقبل.. وقد تمتد هذه المشكلات إلى دول الجوار، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي. ولذا فإن وجود برنامج «مارشال» خليجي لتنمية اليمن، سيكون جزءا من حل مشكلات اليمن وجزءا من الأمن الاستراتيجي لدول المجلس حتى لا تضطر دوله لمواجهة المشكلات في المستقبل، وحتى لا تفتح الباب أمام القوى الإقليمية، لتجد لها منفذا للتدخل في شؤون المنطقة من خلال استثمارها لأسباب الاحتقان التي تتم في اليمن، أو أي دولة من دول المجلس. إن تحرك المجلس ككتلة واحدة، والعمل وفق رؤية استراتيجية تغلب مصالحه على أي شيء، سيجعل المنطقة عصية على المشكلات التي يمكن أن تهدد دوله، وما يحدث الآن هو جزء من الصراع الإقليمي على المنطقة، ومحاولة لإيجاد مناطق نفوذ لبعض القوى الإقليمية. وفي حالة اليمن، فإن أصابع الاتهام قد وجهت إلى إيران، باعتبارها الداعم للحوثيين في صراعهم، وقد فُسر ذلك الدعم انطلاقا من أسباب طائفية، باعتبار أن الحوثيين ينتمون إلى الطائفة الشيعية، وهو الاتهام الذي امتد -من خلال تصريحات بعض المسؤولين اليمنيين- إلى بعض الشيعة في عدد من دول الخليج. وإذا كانت إيران تدعم الحوثيين -كما تُتهم- فإن مساندتها تأتي لأسباب استراتيجية، وليست طافية فقط. فكما هو معلوم، فإن اليمن فيه نسبة كبيرة من الزيديين الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي، ويتعايشون مع مواطنيهم من المذهب الشافعي، بل إنهم يمارسون الشعائر والعبادات بعضهم مع بعض، من دون أن يكون هناك تفريق بينهم، بسبب المذهب. ولاشك أن إثارة النعرة الطائفية لن تكون في مصلحة اليمن، أو دول المنطقة، وستشعل الحرب في أكثر من موقع، إذ إن دول الخليج تضم طوائف متعددة. وإذا كان هناك ثمة من يتهم بدعم الحوثيين، أو غيرهم، من أبناء دول الخليج، فيجب أن تتم محاسبتهم وفق قوانين دولهم من دون أن تكون «تهمة» موجهة لكل الطائفة، كما تحاول بعض الدوائر الإعلامية إثارتها. فالمشكلة بين دول مجلس التعاون واليمن مع إيران هي أبعد من ذلك، على الرغم من وجود الطائفية ضمن محركاتها، فالمشكلة مع إيران هي مشكلة صراع إقليمي، ودولي، يحاول كل طرف أن يستخدم مختلف الوسائل فيه لتحقيق أهدافه ولاستنزاف الطرف الآخر. إن دول مجلس التعاون الخليجي ليست مطالبة بالتدخل في الشأن اليمني الداخلي، لكنها يمكن أن تكون طرفا مقبولا ومساعدا في حل مشكلات اليمن الداخلية، إذ تحظى دول المجلس بالقبول لدى جميع الأطراف السياسية -بصفة عامة- وهي مهيئة بذلك للعب دور في تخفيف حالة الاحتقان السياسي في اليمن. ولعل تجربة قطر في الوساطة بين الحكومة اليمنية والحوثيين - على الرغم من أن جهودها لم تكلل بالنجاح- خير دليل على قبول جميع الأطراف بإسهام دول المنطقة في مساعدة اليمنيين على حل مشكلاتهم من دون التدخل في شأنهم الداخلي.. فأي حدث في أي دولة يؤثر في الطرف الآخر، وتقتضي مصلحة جميع الأطراف العمل على مساعدة الآخرين في حل مشكلاتهم. وإذا كان أحد يعتقد أن «يمناً ضعيفا» هو في مصلحة المنطقة، فإنه مخطئ تماما، لأن ذلك قد يفتح الباب أمام القوى المعادية للمنطقة للولوج من هذا «الضعيف». فالحوثيون ليسوا وحدهم الذين يهددون أمن المنطقة، فهناك القوى التي توصف بالعنف والإرهاب، والتي وجدت من اليمن مرتعا وبوابة لها إلى باقي دول المنطقة، بل استثمرت حالة الصراع والحرب في الشمال لتعزز وجودها في اليمن. إن يمناً قويا ومستقرا وآمنا يعني قوة وأمنا واستقرارا لدول المنطقة، ومن لا يرى ذلك، فعليه أن يرى تأثير اضطراب أفغانستان على باكستان.. النووية!!