صنعاء - رويترز - من غير المرجح أن يسفر أحدث هجوم لليمن على المتمردين الشيعة في شمال البلاد عن إنهاء صراع ظل قائما بشكل متقطع منذ خمس سنوات وأسقط آلاف الضحايا. (اقرأ جذور الصراع مع الحوثيين). ويقول محللون إن هذا الهجوم ربما لن يؤدي سوى إلى تعميق الاضطرابات في البلد الذي يحارب أيضا انفصاليين في الجنوب ومقاتلي تنظيم القاعدة وعدم توافق تام بين موارد النفط والمياه التي تنضب سريعا وانفجار سكاني. يقود عبد الملك الحوثي المتمردين الشيعة المسلحين بشكل جيد ويعملون في المناطق الجبلية الوعرة وهم يجسدون نزعة لإحياء الطائفة الزيدية. وقال غريغوري جونسن وهو خبير بشؤون اليمن في جامعة برينستون كان يقوم بزيارة لصنعاء "تحاول الحكومة دمج الأزمات الثلاث وهي انفصاليو الجنوب والحوثيون والقاعدة في أزمة واحدة باعتبارها ما يشبه محور الشر المحلي." وأضاف أنه لم ير دليلا يذكر على وجود أي صلة بين الأزمات الثلاث بخلاف الخطاب العام الذي يشبه ما يطلقه مسؤولو الدعاية في القاعدة. ويصعب الوصول إلى محافظة صعدة في الشمال، قرب الحدود مع السعودية، إلا بواسطة هيئات الإغاثة ولكن سكان صعدة البالغ تعدادهم مليونا نسمة يرون كل يوم تجسيدا للحرب مع تحليق مقاتلات من طراز ميج عاليا للقيام بعمليات قصف وشاحنات مكتظة بالمجندين متجهة شمالا. وأدى التعتيم الإعلامي إلى جعل تقييم عدد القتلى أو النازحين أو حجم الدمار مستحيلا ولكن وردت أنباء تفيد بمقتل وإصابة المئات من كلا الجانبين منذ أن اشتدت الاشتباكات وتحولت لمعارك حامية الوطيس في أواخر الشهر الماضي. وقالت أجهزة الأممالمتحدة يوم الجمعة إن أكثر من 100 ألف شخص فروا من ديارهم وإن هناك أزمة إنسانية تحوم في الأفق. ولم تنجح محاولات سابقة للوساطة في الصراع خاصة من جانب قطر في تحقيق سلام دائم. وحثت السفارة الأمبركية يوم الأحد الطرفين على العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه العام الماضي في إشارة واضحة إلى أن أحد الحلفاء الرئيسيين لليمن في الخارج لا يرى احتمالات لنجاح العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الحكومية. وصرح وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي الأسبوع الماضي بأن الحوثيين اعتبروا إعلان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من جانب واحد انتهاء الحرب في يوليو تموز 2008 "دلالة على ضعف الحكومة" مضيفا أنهم أثاروا أحدث قتال. وقال دبلوماسي غربي رفيع "يبدو الوضع حقا أن الحوثيين هم الذين بدأوه (القتال)... الحكومة ليست في حاجة إلى صراع آخر مع الحوثيين في الوقت الحالي. إنها في حاجة ماسة إلى الأموال وهناك ضغوط على القوات الأمنية في أنحاء البلاد." وأضاف أن الحكومة بدأت مساعي لم تستمر طويلا لبدء عمليات إعادة الإعمار بعد وقف إطلاق النار العام الماضي وتجنبت في أغلب الأحيان إثارة أي مشاكل مع الحوثيين في صعدة. ولكن بعد أشهر من تجدد الاشتباكات تجاهل صالح فيما يبدو النصائح الدولية بشأن صعوبة القضاء على المقاتلين القبليين من خلال القصف الجوي والدبابات والمدفعية. وبدلا من ذلك اتخذ الرئيس اليمني موقفا متشددا ووضع شروطا صارمة لوقف إطلاق النار ووعد باتخاذ إجراءات حاسمة للقضاء على "الفتنة" التي وصفها بأنها سرطان. ويلمح بعض المسؤولين اليمنيين إلى أن إيران تدعم الحوثيين في حين تقول وسائل إعلام إيرانية إن طائرات من المملكة العربية السعودية قصفت مواقع للحوثيين. وينفي البلدان هذه الاتهامات ويقول دبلوماسيون غربيون إنهم لم يروا أي أدلة مقنعة على تورط أي من البلدين ولكنهم لا يستبعدون احتمال حصول الحوثيين على تمويل من متعاطفين معهم في الخارج. ودعت إيران أمس الاثنين إلى حل سياسي للصراع الذي قالت إنه شأن يمني داخلي. ويرى بعض المحللين اليمنيين أن الحوثيين أقاموا روابط مع إيران ومع حزب الله اللبناني. في حين يشير آخرون إلى تمويل السعودية لحكومة صنعاء والقبائل المحلية. وما زال البعد الخارجي غير واضح ولكن ما من شك أن أسباب الصراع داخلية وله جذور معقدة تعود إلى عام 1962 عندما تمت الإطاحة بالإمامة الزيدية التي ظلت تحكم اليمن طوال ألف سنة. والزيديون أقلية قبلية وكانوا يتعايشون بسهولة بتوجههم الديني مع الأغلبية من السنة في اليمن. ولكن التوترات الطائفية ظهرت في العقود الأخيرة في الوقت الذي بدأ يبرز فيه من الزيدية من يحاولون إحياء جوانب في عقيدتهم ردا على تزايد نفوذ التيار السلفي. وسبب الحوثيون حرجا لصالح الذي تحالف بشكل وثيق مع واشنطن بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول عندما هتفوا قائلين "الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لاسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام" أثناء وجوده في مسجد بصعدة في يناير كانون الثاني عام 2003 . وتعقب صالح وهو نفسه من الزيدية زعيم الحركة في ذلك الوقت حسين الحوثي الذي قتلته القوات الأمنية في سبتمبر أيلول عام 2004 وبعد هذا اندلعت موجات أخرى من القتال. وقال تقرير من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات في مايو ايار إن أسباب الصراع -الذي أرجعته إلى المظالم التاريخية وغياب التنمية الذي بات يشكل آفة مستوطنة مزمنة- أصبحت تكمن داخل الصراع ذاته. وقال التقرير "مشايخ القبائل وكبار المسؤولين حشدوا المعدات العسكرية وكذلك الأرباح من المبيعات غير المشروعة من مخزونات الجيش... بررت العمليات المستمرة زيادة الميزانية العسكرية دون إشراف من الحكومة أو إشراف مستقل." وامتد أحدث قتال إلى خارج صعدة ووصل محافظتي عمران وحجة. بل إن القتال أوشك لفترة قصيرة أن يطول صنعاء في العام الماضي ولكنه لا يمثل خطرا عسكريا مباشرا على العاصمة. غير أن التمرد ربما يكون له أثر بالغ السوء ما لم يتم إنهاؤه من خلال العمل المحلي أو الإقليمي أو الدولي. وقال الدبلوماسي الغربي "إذا تحول فجأة إلى نقطة احتشاد تلقى قبولا للمشاعر المعادية للحكومة وللنظام فربما تكتسب زخما يصعب وقفه." د م-ع ش (سيس)