أخذت الأحداث منعطفاً خطراً بعد تعدي الحوثيين على «جبل الدخان» في جنوب المملكة العربية السعودية، بعضهم يقول إن هذا بداية امتداد الأحداث لخارج اليمن، ولكن حقيقة الحال أن الأحداث امتدت خارج اليمن منذ فترة، وما حصل اليوم هو نوع خطر من تلك الامتدادات، ولكنه ليس الأول، وللأسف قد لا يكون الأخير، وبقدر ما هو ضروري منع تكرار مثل هذا التعدي فإنه من الضروري التفكير في جميع أشكال الامتدادات لأحداث اليمن والعمل على الحد منها كلها، وبخصوص هذا الأمر رأيت من المفيد استعراض دراسة حيوية قدمها باحثان أميركيان هما دانيال بايمن وكينيث بولاك عام 2007، للتعامل مع الوضع العراقي، وتشمل الدراسة ثلاثة أمور أساسية: أولها: مؤشرات التدهور نحو حرب أهلية. ثانيها: أشكال امتداد الحروب الأهلية. ثالثها: توصيات للحد من الامتدادات المحتملة لحرب أهلية عراقية. وقد ارتكزت الدراسة على تحليل 12 حرباً أهلية أفغانستان والشيشان والبوسنة ولبنان والصومال والكونغو وغيرها وأنماط امتداداتها إلى دول أخرى، ومع تعدد الدول وظروفها السياسية والعسكرية إلا أنهم وجدوا اشتراكاً في نمط الامتداد إلى دول مجاورة. ويلفت الباحثان الانتباه إلى حقيقة محزنة ومتكررة في جميع الحروب الأهلية التي حللوها، وهي أن هناك نقطة لا عودة عنها، نقطة تصل الأطراف إليها من دون أن تشعر، بل تبقى الأطراف المتصارعة على أمل أن يكون هناك حل للمأزق إلى حين تجاوزها وحتمية الحرب الأهلية. مؤشرات التدهور نحو حرب أهلية، التي يذكرها البحث متعددة، منها: تماسك الهوية الوطنية وقوتها بإزاء الهويات المحلية، تكوين الخصم وقوته المعنوية والعسكرية، قدر السيطرة الحكومية، قدرات الخصم على إحداث ضربات موجعة في القوات الحكومية، نسبة القتلى من المدنيين، مساحة القتال، قدرة الخصوم على الظهور علانية في مناطق سيطرتهم، قناعة الجيش بالمواجهة المسلحة ضد المواطنين، المواقف الشعبية الداخلية، وهي تحتاج إلى تحليل مستقل لتطبيقها على الأوضاع داخل اليمن. محور البحث هو أشكال امتدادات الحروب الأهلية وهي ستة امتدادات: أولاً: اللاجئون: حالة متكررة لكل الحروب الأهلية، وإضافة للاعتبارات الإنسانية فإن اللاجئين يمثلون مشكلة استراتيجية، فهم مجموعة كبيرة من الناس الناقمين والساخطين الذين يشكلون أرضية تجنيد ملائمة لمختلف الأطراف ذات المصالح، خصوصاً أن أطرافاً خارجية تريد أن تتدخل في الحرب الأهلية لمصالحها الخاصة، وبخصوص اليمن تحديداً فإن اللاجئين يمثلون أرضية استقطاب لقوى متطرفة تعمل ضد المملكة، أو لدول تريد إيجاد مشكلات حدودية، كما يمثل اللاجئون عبئاً اقتصادياً، وفي حال المملكة قد لا يكون هذا عاملاً أساسياً. ثانياً: الإرهاب: القوى المتطرفة تجد لها أرضية آمنة في مناطق الحرب، بل إن معظم الأحزاب السياسية الراديكالية نشأت في ظروف حرب أهلية: «القاعدة» في أفغانستان، «حزب الله» في لبنان، «الجماعات الإسلامية» في الجزائر وغير ذلك. ثالثاً: استنفار مواطني دول الجوار: من آثار الحروب الأهلية انقسام مواطني دول الجوار بشكل حدي إزاء ما يحصل، وأخطر أنواع الانقسامات التي تحصل بسبب التوافق أو الاختلاف الطائفي أو العرقي، ويشير الباحثان إلى تحول هذه المواقف المؤيدة إلى ضغوط على الحكومات لأخذ مواقف سياسية، وقد ذكرا أمثلة متعددة، من ذلك غضب الألبان في ألبانيا لما كان يجري للألبان في كوسوفو، والمثال هذا معبر للغاية، لأن حجم أحداث كوسوفو لم تكن متناسبة مع حجم البلد وإنما مع حساسية التوازنات الموجودة في منطقة البلقان، وما يحصل اليوم في اليمن مشابه، فمتابعة المواقف الشعبية في المنطقة تدل بوضوح على انقسام الناس إلى مؤيد أو معارض وفق الانقسامات المذهبية القائمة، فالسنة يهاجمون الحوثيين ويدعون إلى استئصالهم باعتبارهم شيعة، والشيعة يؤيدون الحوثيين ويدعون إلى نصرتهم للسبب نفسه، وهذا النوع من الانقسام يغذي مشكلات جانبية الإقليم في غنى عنها. رابعاً: الانفصال: يذكر المؤلفان أن بعض الحروب الأهلية تثيرها جماعات انفصالية، والانفصال يغري بانفصالات أخرى مشابهة في دول مجاورة، غير أن ما يجري في اليمن لن يؤثر على هذا النحو لعدم وجود أرضية لذلك، ولكن المخاوف من الانفصال الداخلي وارد. فالاستنزاف الذي يحصل للحكومة اليمنية قد يغري جماعات انفصالية جنوبية لإعلان الانفصال وخوض حرب أهلية ضد القوى العسكرية المرهَقة في الشمال، ولو حصل هذا فقد يتشجع الحوثيون أو غيرهم ممن لديهم نزعة للانفصال، وهذا سيمزق البلاد ويهز استقرار المنطقة برمتها. خامساً: الخسائر الاقتصادية: الحروب الأهلية تؤدي إلى خسارات اقتصادية لدول الجوار. أوضح الخسارات رعاية اللاجئين، ولكن ثمة أيضاً خسارات بسبب زيادة تكاليف محاربة الإرهاب، وحاجة الأمن الداخلي إلى زيادة في الموارد لمواجهة الأخطار الممكنة، وهناك زيادة تكاليف الحركة التجارية التي ترتفع في المناطق المجاورة لأحداث حربية، وأخيراً تكاليف التدخل التي قد تكون باهظة بحيث تفوق جميع ما سبق من تكاليف. سادساً: تدخل دول المنطقة: من الامتدادات الخطرة للحروب الأهلية تدخل دول المنطقة فيها مما قد يحولها إلى ساحة صراع بين تلك الدول، ويذكر الباحثان أن معظم تلك التدخلات أدت إلى تدهور الوضع وليس حله، فالأطراف الداخلية المتحالفة مع الأطراف الخارجية لها أجندتها الخاصة، وبالتالي لا يوجد ضمانات من وراء هذه التحالفات، بل قد يخرج طرف عن السيطرة ويقوم بأعمال محسوبة على حليفه الخارجي، تؤدي إلى توتر بين ذلك الحليف والدولة المتضررة. هذه الامتدادات جميعها أصبحت موجودة بدرجة ما في اليمن، ولذلك قلت في أول المقال إن أحداث اليمن امتدت فعلاً إلى الخارج، ولكن هذه الامتدادات تبقى محدودة والمطلوب إبقاؤها كذلك. ثم يذكر المؤلفان مجموعة من التوصيات بخصوص العراق، بعضها يفيد في الحالة اليمنية مثل: أولاً: توقيف إيران عند حدها: يؤكد المؤلفان أهمية الوقوف أمام مطامع إيران للتدخل في العراق، ويطلبان من الولاياتالمتحدة أخذ موقف حازم للغاية من هذا، بخصوص اليمن فإن الأمر مطلوب أيضاً، ولكن كما لم تنجح الولاياتالمتحدة في العراق، فلا يتوقع نجاح محاولة لمنع إيران من التدخل في اليمن، ما يمكن عمله هو منع اليمنيين من التحالف مع إيران، وذلك بتقديم بدائل عن التحالف معها، أو برفع كلفة التحالف، بحيث يصير غير مجدٍ. ثانياً: احتواء الأكراد: بخصوص اليمن، يمكن ذكر الأطراف الجنوبية التي تميل نحو الانفصال، فلا بد من التعامل معهم بحزم وأيضاً باستيعاب، فلا يمكن السماح لهم مطلقاً بالقيام بأي محاولة انفصالية، لأن ذلك يعني تفتيت اليمن بشكل يجعل وضعها أصعب من الحالة الصومالية حالياً أو اللبنانية سابقاً، وقد يتطلب هذا ضخ استثمارات في المناطق الجنوبية، وذلك لتحسن وضعهم المعيشي، وبالتالي تنفيس سخطهم الذي يشكل وقوداً لأي محاولة انفصالية، مثل هذا الأمر مطلوب في المناطق الشمالية أيضاً، فلا بد من استيعاب تلك المناطق وتحييد قدرات الحوثيين أو غيرهم على التوسع بينهم، وهذا أيضاً يتطلب ضخ أموال واستثمارات لتوفير فرص معيشية. ثالثاً: مناطق اللاجئين: لا بد من تصميمها وإدارتها أمنياً وإنسانياً بحيث يمكن أن تقدم الخدمات الإنسانية لهم، ولكن أيضاً بحيث لا تتحول إلى مركز تجنيد لأطراف معادية لدول الجوار خصوصاً المملكة. رابعاً: تفتيت مراكز الإرهابيين: يؤكدان أهمية ضرب أي مركز قيادي لجماعات إرهابية باعتبار أن تلك المراكز تتحول إلى مراكز عمليات لتوجيه ضربات في دول الجوار. خامساً: الحذر من أنصاف الحلول: من أسوأ ما في الحروب الأهلية التدخلات غير الحاسمة، ويذكران كيف أنصاف الحلول الإسرائيلية والسورية في لبنان والذي زاد الوضع سوءاً، وبخصوص اليمن فلا بد من تحديد جذري للمشكلة والتدخل بحسم لحلها حتى لو تطلب ذلك عملية جراحية. العرض السابق اختزل الكثير مما هو موجود في الدراسة، ولكن الغرض إثارة الانتباه إليها لعلها تكون مرجعاً يتم الاستفادة منها في تحليل ما يحصل في اليمن، وفي وضع الخيارات الاستراتيجية للتعامل معه، قد لا تنجح محاولات الحد من التدهور داخل اليمن، ولكن لا بد من النجاح في الحد من الامتدادات إلى خارج اليمن. * كاتب يمني.