تسنّى لي حضور مؤتمر متخصص في الإعلام الرقمي، وكان جلّه حول الفيس بوك وتطبيقاته في العالم.. يمثل هذا الموقع - ابتداء - نادياً اجتماعياً، ويستطيع كل إنسان له أن يضع قوانينه الخاصة التي يرغبها.. يختار أصدقاءه.. يضع لبعض الأصدقاء خصوصية.. يكتب مذكراته... وينشر صوره، ويعرض مقاطع فيديو أو وصلات على النت يحبها، ويجعلها إما متاحة للجميع، أو لأصداقائه، أو لفئة هو يختارها.. يعلق على كتابات الآخرين- إن سمحوا له بذلك - ويطلع على تعليقات غيره.. يعيش حياة اجتماعية هو الذي يحدد أطرها وزمنها وآليتها ومكوناتها دون تدخل خارجي بأي شكل، بما في ذلك أصدقاؤه المقربون. الفيس بوك نقلة نوعية في التعامل مع الإنترنت وبصورة تفاعلية هائلة لم تكن متاحة (جوجل تطور خدمة بريدية راقية جداً تنافس - جزئياً- فيس بوك وتربط الناس بطريقة ذكية جداً) . تحوّلت الإنترنت من شبكة مصدر للمعلومات وتناقل المعارف إلى وسيلة تواصل اجتماعي عالي المستوى.. يبحث لك الموقع عن أصدقائك.. الناس الذين درست معهم.. الناس الذين زاملتهم لفترة من الزمن ولاتعلم أين هم.. فيس بوك يأتيك بهم.. يعرفك أيضاً بأصدقاء أصدقائك - إن رغبت بالتواصل معهم - ويقترح عليك أشخاصاً يظن أنك تميل لهم!! بعض الجهات الإعلامة القوية اتخذت من الموقع منصة للإنتاج التلفزيوني التفاعلي.. حدثتنا امرأة في المؤتمر عن نشاطها في هذا المجال قائلة: انتجنا برنامجاً تلفزيونياً عن حياة فتاة مراهقة في بريطانيا.. كيف تعيش! .. ومن هم أصدقاؤها وأشركنا الأصدقاء في الفيس بوك في المسلسل، ابتداء من القصة، مروراً بالممثلين وأزيائهم وأماكن التصوير.. فأصبح المسلسل جماهيرياً ناجحاً بمشاركة أصدقاء المسلسل على الموقع، يعلقون على الأحداث، ويتابعون الوقائع، ويغيرون في مجرى القصة، فأصبحوا هم أبطالها الحقيقيين.. المسلسل نجح مادياً، وحصل على دعم إعلاني قوي، وبدأ الصدور في نسخ متعددة وصلت إلى (12) لغة عالمية.. سألت المرأة: هل العملية دبلجة المسلسل؟ قالت: لا، نسخة معدلة وشخصيات مختلفة لكن أصل القصة والفكرة واحدة؛ لأن ذوق البرازيلي يختلف عن ذوق الكوري، فضلاً عن الأوروبي، وهكذا جعلنا لكل بلد نكهته ولهجته وثقافته أدرجناها في المسلسل فنتج بجميع اللغات.. إحدى الشخصيات العربية التي اهتمت بالموقع جمعت خمسة آلاف صديق بحيث يتواصل معهم معرفياً وثقافياً وإنسانياً، ويقول: لولا تحديد الموقع لهذا العدد كأقصى ما يمكن لتضاعف عدد أصدقائي بسهولة..!! في البلدان العربية أصبح فيس بوك الشغل الشاغل لكثير من الشباب ومن مشارب شتى، لدرجة أن الاحصاءات تقول إنه في السعودية يوجد ما يقارب المليون مشترك، وهذا عدد رهيب لا يماثلة أي موقع آخر، ومشتركو هذا الموقع حول العالم بضعة مئات من الملايين، مما يمثل نقلة نوعية في التعاطي مع النت.. السؤال المهم في الخاتمة: كيف يسخر هذا الموقع ليكون مفيداً نافعاً للناس ووسيلة تواصل إيجابية بنّاءة؟ أقول: هذا الأمر ممكن لمن خبر هذا الموقع، واستطاع أن يضيف مادة مناسبة مختصرة ذات دلالة... يتواصل مع عدد كبير من الأصدقاء من خلال الذكاء الاجتماعي، وقضاء الوقت الكثير مع التخطيط المسبق لهذا الأمر فمن ينبري لذلك؟!