انباؤكم - عبدالملك بن عبدالوهاب البريدي حينما ضم المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - منطقة القصيم واستقر له الأمر وبعد مرور فترة بسيطة من هذا الحدث توفي أحد الرموز التاريخية ألا وهو الشيخ العلامة قاضي القصيم محمد بن عبدالله بن سليم - رحمه الله -، فقد كان الشيخ ابن سليم من أشد المناصرين لآل سعود وبسبب ذلك تعرض لمعاناة شديدة أيام حكم آل رشيد، وذلك بعد وقعة الصريف، فضيق عليه وعزل عن القضاء ونفي إلى بلدة النبهانية وجاهد فترة من الزمن إلى أن حمد القوم السرى وجاء الحكم السعودي وأعاد للشيخ مكانته وصارت له القيادة العلمية والقضائية في القصيم حتى وفاته رحمه الله عام 1326ه الموافق 1908م. بعد وفاة الشيخ محمد بن سليم اهتم وجيه بريدة الشيخ عبدالعزيز بن حمود المشيقح بشأن ابنيه (الشيخ عبدالله والشيخ عمر) فقرر مجلس القراءة للشيخ عمر بن سليم بمنزله العامر بالقرب من جامع بريدة الكبير، فبعد صلاة العشاء من كل يوم يفتح الوجيه عبدالعزيز المشيقح أبواب منزله فيستقبل الشيخ عمر ومعه كبار الطلبة، فتحضر السرج والأتاريك قبل الكهرباء والقهوة والشاي والماء البارد في الصيف للقراء ويحضر الدرس عامة الناس من فئات مختلفة في اهتماماتها وتوجهاتها وفي أذواقها وأشواقها فئة يرغبون الخروج من هموم الأرض وغبارها إلى هذه المجالس العلمية الإيمانية النورانية لتغشاهم أنوار السنة التي فيها شفاء للناس وهدى وموعظة لقوم يتفكرون، وربما ازدحم المكان فيقف بعضهم على أطراف أصابعه ويتكئ على من أمامه ليطل من فجوات الصفوف المتراصة لينال النظارة التي هي النعمة والبهجة لمن سمع مصداقاً لما وعد به صلى الله عليه وسلم فقال: (نظر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه). كأن الشيخ عمر بن سليم يتراءى إلى الآن وهو جالس في صدر مجلس المشيقح وعليه بردة قشيبة وقد حف به الطلاب وشدوا العمائم وجدوا في العزائم وفتحوا الدفاتر وقربوا المحابر ومعهم زاد المستقنع للحجاوي وشرحه للبهوتي، وقد شرع الشيخ بصوت متهدج يمزق سكون الليل يورد ما أخبر به ابن المديني وما حدث به محمد بن شهاب فترتحل المشاعر لمجالس التحديث حيث الإمام أحمد بن حنبل فتسري بالجميع الطمأنينة وتحلق قلوبهم في أجواء مهيبة شوقاً لصاحب التركة صلى الله عليه وسلم، لقد كان هذا الدرس واحة ظليلة يلجأ إليها في هجير الحياة ونافذة مشرعة للنور والعلم مما يعيد للأذهان صورة مجالس العلم ومسامراته والتي تقام في حواضر العلم الشرعي المدينة والكوفة ونيسابور والتي دون في التاريخ جزء منها. لقد أسهم هذا المجلس في تنشيط وإثراء الحركة الثقافية وأصبح مزية من مزايا بريدة، بل خصيصة من ضمن خصائص هذه المدينة في دلالة ثقافية تعكس حالة الوسط العلمي القائم آنذاك والذي يعد علامة بارزة في المشهد الثقافي السعودي. تلك نبذة تاريخية موجزة اقتبستها انتقاءً من سيرة الوجيه عبدالعزيز بن حمود المشيقح - برد الله مضجعه وأغدق عليه شآبيب الرحمة والرضوان - لنقف على آثار آبائنا الذين تركوا لمجتمعنا سجلاً حافلاً بالمبادرات البناءة والحديث عن هذا الرجل الشهم معين لا تجف له مداد وعند وفاته عام 1372ه ارتجفت القلوب ودمعت العيون وحزنت النفوس فقد رحل بجسده وروحه وبقي حياً بآثاره شأنه شأن الأتقياء الأخفياء الذي جاء الثناء عليهم في الحديث النبوي. ***** * المراجع: تاريخ علماء آل سليم - تاريخ أولي النهى والعرفان مدير مركز علاقات الإنسان بالقصيم جوال 0554891645