في كتابه للأشتر مالك النخعي لمّا ولّاه مصر، وضع الإمام علي -حسب رأيي- بعض أهم الأسس التي تقوم عليها علوم السياسة والاقتصاد، وعلمي النفس الاجتماعي والسياسي. في البداية وقبل الخوض في التفاصيل، يقسّم الإمام علي -كرم الله وجهه- المجتمع إلى قسمين اثنين: أهل الخاصة، وأهل العامة. ثم يلقي الضوء على الخصائص النفسية التي يتميّز بها كل قسم من القسمين: (وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُكْرًا عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْرًا عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْرًا عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ معهم). أمّا في الفقرة التالية فيتحدّث الإمام علي عن الصفات المطوب تحاشيها عند اختيار رجال الدولة، موضحًا العلل النفسية لذلك: (َلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ. وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ، وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ، وَلاَ جَبَانًا يُضعِّفُكَ عَنِ الْأُمُورِ، وَلاَ حَرِيصًا يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِالله). إنها عبقرية التقوى، وذكاء العدل عند الإمام علي.