بعد اكتمال دورة البرامج الرمضانية في القنوات الفضائية، بادرت إلى إحصاء سريع يقارن بين كمية ما عرض من مسلسلات في العام الماضي وما يعرض هذا العام، فوجدته مؤشرا تصاعديا أوقفته بمجرد وصولي "في العد" إلى 50 مسلسلا، لإحساسي بأني "فاضي" زيادة عن اللزوم وسواء وصل الرقم إلى 50 أو 100 مسلسل فهذا ليس بالجديد في حصص المشاهدة الرمضانية، والتخمة ستبقى حائرة في من تصيب: البطن أم العين؟ ذائقتنا التائهة أمام تلك الأرقام الضخمة من حجم الإنتاج الدرامي، والإصرار على عرضها وربطها بليالي شهر رمضان، وعيش كثير من المنتجين على حلم الانتشار والنجاح وأمل الدخول في لعبة الأجزاء المرتبطة بحصة عرض مؤكدة في كل عام خلال شهر رمضان كفعل طاش وباب الحارة وبيني وبينك وغشمشم وشر النفوس وغيرها من ذوات "التمطيط" التي وضحت لنا مسارات "الخوف" من الفشل والإخفاق عند المنتجين وممثليهم وقنوات عرضهم، ومدى قدرتهم على تقمص وتنفيذ الأفكار الجديدة، بدلا من تكرار الشخصيات والأفكار و"تمطيطها" خلال 30 يوما. سؤال التخمة الحائر: من سيشاهد فعليا ذلك العدد الضخم من الأعمال في شهر واحد؟، وكيف تراهن القنوات على ولاء المشاهدين لأعمالها الموصوفة بالتميز وهي تضخها في فترة محددة؟، وكأن "وحي" المشاهدة لا ينزل علينا إلا في رمضان، ولا يمسنا "شبق" المتابعة إلا في لياليه... وكل قناة تعزف لحن تعريفها للشهر بين "رمضان يجمعنا" و "جاك ماتمنى.. تهنى" و "نور رمضان بيطلع، وبرامجنا بتلمع" ومن سبق لبق والكل راكب الموجه وإن كان رمضان شرقا وهو غرب، وتكاد "المعدة" هي الراسمة لمضمون ما يبث علينا، فعلى حسب مساحة جوعها نستنج ما سنشاهد، ولا أعتقد أن أحدا في يوم رمضاني قديم أو حديث شاهد برنامج فتاوى بعد الإفطار، أو تسمر أمام شاشته مشاهدا سلسلة طاش "الجيوراسية" بعد صلاة العصر. الشاشة الرمضانية أصبحت نمطا اجتماعيا في ثقافتنا العربية المتأخرة، وساحة حرب متطاحنة لا يتوقعها المشاهد بين ملاك القنوات والمنتجين وفرق العمل ومن يظفر بالحصة الأكبر من كعكة المشاهدة ويسحب بساط الإعلان من غيره، فتقل بناء على ذلك النمط نسبة المشاهدة للقنوات الإخبارية والوثائقية التي تعلم يقينا أنها "لا في العير ولا في النفير" فترتاح وتريح، أما أندية الكبار فشعارها الرمضاني من المغرب إلى الفجر "اضرب بخمسك.. لا تعطي بملعقة"، ونستغرب لاحقا أن "انتفخت" عيوننا في رمضان!.