هل يستطيع أحد «متابعة» دراما رمضان فعلاً؟ يبدو السؤال نافلاً في زحام ما تعرضه الفضائيات العربية، ذلك أن الزحام إذ يقدم «تشكيلة منوّعة» يتسبّب أيضاً في فوضى كبرى تجعل المشاهد يتمكن في اليوم العاشر ربما من «القبض» على خريطة المسلسلات المعروضة وأماكن وساعات عرضها. خريطة لا تبدو واضحة إلا بالنسبة لقناة أو اثنتين من القنوات «الكبرى» التي تمتلك الشروط الأفضل، والعدد الأكبر من المشاهدين. مع ذلك بل وبسببه يمكن القول من دون مبالغة أن المشاهدة الرّمضانية أصبحت مجحفة إلى حد بعيد بحق المسلسلات المعروضة، التي لا يسمح مناخ العرض برؤيتها في صورة صحيّة تمكّن من إلقاء ضوء نقدي عليها، أو محاولة تقويمها. فإضافة الى الفوضى التي أشرنا إليها، هناك أيضاً ما يمكن أن نسمّيه نمط المشاهدة الرّمضانية، العجولة، والتي يطغى عليها الرّغبة في التسلية وتزجية الوقت. هو نمط آخر نضيفه لنمط الإنتاج الرّمضاني الذي تأصّل وصارت له تقاليد راسخة أصابت العملية الإنتاجية «باللّهوجة» والسّلق وغض النظر عن نواقص كثيرة لا يجري عادة غض النظر عنها في الأحوال العادية. ومن يتمكن من الاندماج فعلا في خليط المسلسلات المعروضة خلال رمضان لا نستغرب أن تختلط في ذهنه شخصيات عمل ما بشخصيّات عمل آخر، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بمسلسلات «البيئة». وفي المقدمة طبعاً البيئة الشّامية التي باتت لها سمات فنيّة واحدة لا تتغير، تضاف لأماكن تصوير لا تكاد تتغيّر بدورها حتى وإن اختلف الممثّلون. ذلك كلّه يذهب بنا إلى ما يمكن أن نسمّيه تخمة الدراما التي لن يتمكّن العقل أو الذّاكرة من هضم إلا القليل القليل منها، في حين تذهب البقيّة إلى النسيان، أو إذا شئنا الدّقة إلى انتظار العروض العادية للمسلسلات. ونقصد هنا عروض ما بعد رمضان حين تبدأ القنوات الأقل شهرة في إعادة العرض، بكلفة مالية أقل، ومن دون بهرجة أو ضجيج. أي من دون أن تحظى الأعمال المعروضة فعليّا للنقد والتشريح، ما دام رمضان قد انتهت لياليه، ولم تعد المسلسلات تحت أضوائه الكاشفة.