النخلة الشامخة أطراف من رحلاتي معه انباؤكم : الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي ليست رحلتي الأولى مع معالي الشيخ محمد العبودي، بل سبقها اثنتان. ربما يكون هذا الكلام مفاجئاً لكثيرين أولهم معاليه، إذ لن يتذكر أو لن يدرك ما أعنيه بالرحلتين السابقتين بادئ الرأي، ولكنها الواقع الذي حقق جزءا من الأمنية القديمة عندي. هكذا نحن مع كبار الشأن؛ نظل نتسقط أخبارهم، ونحتفي بساعات اللقاء معهم، ونستعيد أحاديثهم، ونروي مقولاتهم، ونفخر بما تيسر من أوقاتنا معهم، أو بما أتاحوه من أوقاتهم لنا. وأما حين يكون الكبير قد اخترق المقاييس المعتادة لأمثاله. فمعاليه بمقوماته المتعددة أصبح بالنسبة لي حلماً أو أقرب إلى الحلم، وهذا يتصل بصداقته لجدي الشيخ سليمان الوشمي رحمه الله، وأستاذيته لوالدي الدكتور صالح الوشمي رحمه الله، وأستاذيته لجيلي. فلم يعد اللقاء بمعاليه لقاء الصديق لصديقه، ولا التلميذ لأستاذه، وإنما صرت مع معاليه أشبه بلقاء الجيل للجيل، والواقع للتاريخ، والمفردات للأبجدية. * * * كانت الرحلة الأولى لي مع معاليه هي الرحلة مع كتاباته، وهي الرحلة الطويلة الممتدة إلى ما شاء الله. وقد بدأت مبكراً من خلال مكتبة والدي رحمه الله، وهو أحد تلاميذ معاليه، وقد اطلعت على عدد من كتابات معاليه في مكتبة والدي، وما زلت أحتفظ بها، وأستعيد قراءتها، وأجد تعليقات والدي تملأ الصفحات؛ بل إنني أجد آراء معالي الشيخ حاضرة بقوة وشموخ في معظم كتابات والدي. ونشأت مع جيلي، ونحن نسمع بالرجل الكبير الشيخ محمد العبودي، والناس يتحدثون عن أعماله وتآليفه وإنجازاته ورحلاته، وعن مشاريع أنجزها، ومشاريع ما زالت تنتظر الفراغ منها. وتحول معاليه بمرور الوقت من أن يكون عالماً وباحثاً فحسب، إلى أن يكون أميناً أو مسؤولاً عن ثقافة تلجأ إليه لكي يحفظ لها ويحافظ عليها، وصار كثيرون يفزعون إلى علمه وثقافته ليكون شاهدهم الصادق على أحداث لم يعد يتذكرها إلا النابه من أمثال معاليه، ولم يعد يقدر على استعادتها والتأكيد على صحتها إلا هو وأمثاله. وفي مجالس علمية كثيرة أجد الاهتمام لايتخصص فقط بآراء معاليه، وإنما أصبح معاليه جزءاً من الموضوع، وذلك على مستوى التخصص والخبرة والوفرة والتنوع. * * * وأما الرحلة الثانية لي مع معالي الشيخ محمد العبودي، فهي من الرياض إلى بريدة، وهي رحلة قصيرة بمقياس الساعات والدقائق، ولكنها تمتد على مستوى العلم والفائدة. ومجالسة الكبير لاتنفك عن الفائدة والعطاء، وهو ما كان في رحلتي مع معاليه إلى بريدة برفقة الصديق العزيز الدكتور محمد المشوح في يوم الخميس 22/3/1430ه، وهي الرحلة التي أخذت يوماً كاملاً أو ما يقاربه. وكانت احتفاء بصدور كتاب الشيخ علي الحصين بجهود ابنه الدكتور عبدالله الحصين، وهو الحفل الكبير في منزل الوجيه محمد البشر. وكانت هذه الرحلة تمتلئ بالدروس. فأولاً: الوفاء الكبير الذي يتحمله معالي الشيخ، فهو القادم من سفره الجوي من مكة، ولا يلبث أن يذهب في سفر بري إلى بريدة، وفاء لصديقه الشيخ عبدالله الحصين رحمه الله، ومشاركة لأصدقائه المحتفين به. وهو منهج أجده يسم جهود معاليه، فهو الوفي مع أمته في رصد نبضاتها، وآمالها، وآلامها. وهو الوفي مع بلده بتسجيل مواقف البذل والعطاء والبطولة في مسيرتها. وهو الوفي مع بلده ومسقط رأسه بتوثيق عدد كبير من مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية وغيرها في منطقة القصيم. وهو الوفي مع جيله أساتذة وزملاء وتلامذة، وذلك حين يكتب عن أساتذته ويشير إلى جهودهم، أو حين يفصل القول في الحديث عن أصدقائه، أو حين يتجلى وفاء في الثناء على تلامذته والإشادة بنبوغهم أوتميزهم، وهذا المنهج والسلوك صعب التوفر والتحقق إلا عند المخلصين والمجتهدين في الجمع بين العلم والأدب، أو بين الجمال والجلال، أو بين المعرفيات والأخلاقيات، ومعالي الشيخ محمد العبودي أستاذ في هذا السياق. ولعل مما يكمل الفكرة هذه أن معاليه فريد في باب الأخلاق الحميدة في تعامله مع الناس جميعاً، وذلك من خلال التجربة الشخصية. فهو يحترم الجميع، وينزل الناس منازلهم، ويُجل أصحاب المقامات، ويفي لهم حقوقهم. وتمتد مواقفه النبيلة حين يلتقي من لهم نبوغ في فن لايعرفه غيرهم، أو من له آباء أو أسرة تميزت في مجال، فتجد معاليه يفيض في الحديث عنهم، ويشيد بهم، ودائماً ما أجد معاليه يفيض نبلاً وأخلاقاً، وهو يتحدث عن جدي الشيخ سليمان الوشمي رحمه الله، ويثني على ضبطه وأخلاقه وعقله ومواقفه، أو حين يشير إلى والدي رحمه الله، ويحتفي بإنجازاته، وهو يتكرر مع كثيرين ممن يقابلهم، وقد كانت مشاركة معاليه في الكتاب الذي أصدره نادي القصيم الأدبي حول أبي وجهوده من أهم المشاركات التي وردت فيه. وثانياً: احترام الوقت والوفاء بالموعد. ومثال ذلك أنه حين مرّ علي الدكتور محمد المشوح؛ لنذهب سوياً إلى معالي الشيخ في الموعد المضروب بيننا. كان الدكتور المشوح يحدثني عن ضرورة الوصول الدقيق في الموعد لأن الشيخ يلتزم ذلك بدقة، وبالفعل، كان ما خططنا له، وحين نزلت لأطرق الباب، فوجئت بمعاليه يخرج من بيته في الموعد المضروب أو قبله بدقيقة. وثالثاً: التواضع المطلق الذي يقابل الشيخُ به الاحتفاءَ الكبير والمطلق من العلماء والأدباء والعامة به، فوجود معاليه يحدث نوعاً من الافتتان به، فالعيون والقلوب والأسماع مصغية له، والناس يحملون أسئلتهم وأشواقهم وهم يقابلونه؛ بل إن أحد أساتذة العقيدة النابهين في جامعة القصيم في الحفل الذي أقامه الوجيه محمد البشر سألني عن قدومي من الرياض، فقلت له: جئت أنا والدكتور المشوح بمعية معالي الشيخ، فكان يكيل المديح ويغبطني على هذه الفرصة التي تتاح لي، ويتمناها كثيرون. * * * وأما الرحلة الثالثة لي مع معاليه، فهي الرحلة التي سعدت فيها برفقة الدكتور النبيل محمد المشوح بمصاحبة معالي الشيخ محمد العبودي في رحلته العملية إلى لبنان بتاريخ 17/6/1430ه، وهي الرحلة التي لم تأخذ من الوقت إلا القليل، ولكنها أعطت من الرؤى والدروس والمواقف الكثير الكثير مما سأحاول تسجيل ما احتفظت به الذاكرة وفق قاعدة تداعي المعلومات وأن الشيء بالشيء يذكر. كان موعدنا في المطار لنستقبل معالي الشيخ الذي يصل من مطار جدة، ليقضي وقتاً طويلاً نسبياً في المطار، لنلتحق جميعاً في الرحلة المتجهة إلى مطار بيروت، وكان الوقت الذي قضيناه في الانتظار في صالة الفرسان من أمتع الأوقات، إذ تجلى الشيخ في سرد عدد من ذكرياته حول السفر وما شابه، وكنت اقترحت عليه وقتها أن يكتب ذكرياته في السفر من الباب الذي لم يكتبه هو ولا غيره، وذلك من ناحية تجاربه في الحجوزات، وشركات الطيران، ومواقف الطيارين والمضيفين والمضيفات، ولحظات الانتظار، وساعات السفر الطويلة، والانتقال من الخطوط المختلفة، وتجربة السفر على وسائل متعددة، وتضمين ذلك منهجه في الرحلة، ورؤيته إلى السفر، وطريقة مخالطته للناس، وكيفية استفتاح الأحاديث، أو منهجه في السكن، واختيار الفنادق، وطرق السير، ومحطات الزيارة التي يرتادها، ورفاق الرحلات، وتفاصيل يومه في رحلاته، وموقف أسرته من أسفاره، وطريقة تواصله معهم أثناء سفره. لاسيما وهو كثيراً ما يغير خط سيره المعتمد في بداية رحلته، حتى لقد حدثني أن الله قد حفظه، فهو يذهب إلى مدن وقرى متعددة، ولا يعلم في بعضها إلا الله أين مكانه ومن هو، ولو جرى له أمر لما استدل عليه أحد، وما ذاك إلا من حفظ الله له، وهو ما يوجب برأيي على معاليه أن يرصد هذه التجارب. كانت أولى المفاجآت لي هي حديث الشيخ عن السفر الأول لمعاليه إلى بيروت، والإشارة إلى سفرياته المتعددة بعدها، واحتفاظه بذاكرة جيدة ووفية للأماكن والأشخاص الذين التقاهم، فهو يتحدث عن اسم الفندق الذي سكنه، والذين قابلوه فيه، وصاحب المكتبة الذي اشترى منه وعائلته، ومكان سكنه، حتى ظل يسأل عنه أصحاب المكتبات الأخرى، ويستفسر عن مكتبته، وكيف آلت إليه. يرسم معالي الشيخ منهج رحلته بدقة، فهدفه الرئيس مقدم على غيره، وفي سبيله يمكن التضحية بعدد من الأهداف الهامشية له، ولذلك بدأ بالتنسيق المبكر حول إنجاز ما أراد إنجازه، وهيأ لذلك سبل النجاح الكاملة، واستعد من الرياض بشكل دقيق للاحتمالات كافة. طريقة إدارته للحديث مدهشة، فهو الرجل الذي خبر الناس وطرائقهم في القول والحديث، واستجاباتهم للمواقف، ولذلك فإنه قادر من خلال خبراته المتنوعة بين الدول والمدن والأشخاص والطبقات، أن يدخل في حوارات متنوعة حول مختلف القضايا. ولاتكفي الإشارة هنا إلى استثمار الشيخ للمواقف والأحداث للمعرفة والعلم وتتبع الأقوال والرؤى، وإنما هو متميز بصناعة المواقف، وتكرارها، فهو مع ضيفه أو سائق الأجرة أو بائع المكتبة أو مضيف المطعم يصنع من المواقف ما يمكنه من استثمارها المعرفي وتكوين المعارف حولها. ومع أنني بطبيعتي أستيقظ مبكرا قدر استطاعتي، وذلك تبعاً لظروفي غالباً، ومع ذلك تهيبت أن أطرق باب غرفة معاليه خشية أن يكون نائماً! وظللت أنتظر الوقت المضروب بيني وبين الدكتور محمد المشوح لأطرق عليه باب غرفته، ومن ثم نبدأ يومنا مع معالي الشيخ، فقال لي الدكتور المشوح: إن الشيخ هو أول المستيقظين في الفندق، وبالفعل فقد أفطرنا في الثامنة صباحا، ولم يبدأ الناس جميعاً بوجبة الإفطار إلا بعدنا، ما عدا الشيخ الذي اكتشفت أنه سبقنا جميعاً، وهو منهجه المعتاد. يعتني معالي الشيخ بأن يلبس الهندام المناسب في رحلته، على الأقل من وجهة النظر الشخصية التي يتمتع بها، وله في ذلك سمت عجيب، وقد أبدى ملحوظته على ملابس غيره بصفتها قد لاتتناسب مع السياق الذي يوجدون فيه. ومن هنا فقد وجدنا الشيخ على أهبته حين جئنا إليه، إلا أنه طلب منا رسم تفاصيل اليوم قبل البدء به، فلن نتجه إلى أحد إلا بعد التأكد من وجوده، وضرب الموعد بيننا وبينه، وهو ما قمت به حين اتصلت على القائمين على هدفنا، فأكدوا وجودهم، ولكن بعد فترة زمنية، وهذا ما كان فرصة جيدة ليطلب معالي الشيخ منا البقاء معه لتناول الشاي الأخضر والعبودية! معالي الشيخ يوظف خبرته الطويلة في الحياة من الناحية العلمية أو مشاهداته ورحلاته في أحداث يومه، فهو يرى في الشاي الأخضر شراباً يتفوق على غيره، ويرى في العبودية زاداً يتفوق على غيره. والعبودية هي ثمرة نخلة يقطع معاليه بأنها لا توجد إلا عنده، وذلك انطلاقاً من أن نوى التمر حين تغرس تأتي بالمفاجآت، فغالبها ينتج الفحول، ومنها ما ينتج النبت المتفاوت، ونادراً ما يأتي منه الثمرة الجيدة (معلومة: السكرية أصلها نبتة!). وفي بيت معالي الشيخ في بريدة ظهرت هذه النبتة الطيبة، فسمّاها بالعبودية، ولها شكل لايتطابق مع غيرها، ولها خصائص يرى معالي الشيخ أنها تتميز بها على غيرها. يتأكد معاليه من خطواته جيداً، فساعة الخروج مهمة، ونوعية التاكسي، والتأكد من مدة الطريق، ومتى العودة، وهل ينتظرنا التاكسي، أم نتفق مع غيره عند الخروج، وأخذ الاحتياطات الأخرى لإنجاح مهمته أو عمله الذي يُعنى به. إن الشيخ باختصار يكون في مهمته حتى ينتهي منها، ويلتزم منهجاً في ضبط هدفه وتحديد وسائل ذلك أشك أنه قد يتكامل عند غيره، وهو في مهمته يأخذ اللبوس الجاد والحاسم، ولا مجال لذوبان الوقت في الأشياء غير المهمة. هذا الوجه الجاد الحاسم الذي لا يتسامح مع ضياع الوقت أوالأحاديث الجانبية غير المهمة أثناء إنجاز المهمة الجادة. هذا الوجه وهذه الملامح يأخذان مساراً مختلفا عندما يجلس مجلس الانبساط مع أصدقائه أو رفاق رحلته، وهو ما يحدث عندما نخرج للغداء مثلاً، وهو يختار موقعاً يرى أنه من أجمل الأماكن، وهو بالفعل جميل جداً، وذلك في المطعم المطل مباشرة على الروشة، ويعتني جيداً بأن تكون الطاولة على البحر مباشرة وقريبة منه، وهو يرى أن المكان والطعام متميزان هنا. في مجالس معالي الشيخ البسيطة تنفتح أبواب علمية وأدبية وثقافية تسمعها من الشيخ لأول مرة، وحين تسمعها تظن بداية أن الشيخ يدرك طرفاً منها، فيستمر في العطاء فتظن أنه ثقف نفسه فيها بشكل جيد، فيستمر في العطاء فتعتقد أنه متخصص فيها، وهذا كلام واقعي تكتشفه من الطرف والنوادر التي يحفظها، ويرويها، ويعقد بينها صلة مع الأحداث المختلفة، وينقلك من التراث إلى المعاصرة، ومن العصر العباسي إلى الشعر الشعبي، ومن أحداث كبار الشأن إلى عامة الناس، ومن الرجال إلى النساء، ومن العرب إلى غيرهم، ثم تكتشف لاحقاً أن هذا الفن قد أهمله الشيخ مؤخراً، وأن أعماله العلمية والعملية قد صرفته عنه، وكل ما يحفظه مما تكون عنده في بدايات سنوات الطلب. ومن ذلك أن معالي تحدث عن شعر الغزل والحكم وكان مما حفظت منه أنه استشهد بقول الشاعر: احفظ لسانك لا تبح بثلاثة سن ومال إن سألت ومذهب فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة بمكفر وبحاسد ومكذب ونحن على ضفاف الروشة أورد قول الشاعر: أربعة مذهبة لكل هم وحزن الماء والخضرة والقهوة والوجه الحسن هذا بالإضافة إلى أن الشيخ يمتلك المكان الذي يجلس فيه لابالقسوة والغلظة، وإنما بالعلم والأدب، فهو متحدث من الطراز الرفيع، وقادر على التنقل بين شتى الموضوعات، وأن يقدم المفيد النافع فيما يطرح، مع أنه لايستنكف أبداً من أن يحتفي ويقبل المعلومة الجديدة التي يسمعها لأول مرة. وهو بارع في اللغة والطريف من القول، وقد طرح عدداً من الاختبارات اللغوية لي، وذلك في الأسئلة أوالألغاز اللغوية والنحوية الشعرية، طمعاً في نقل الكلام وتوجيه الحوار إلى عدد من المناحي العلمية. ولمعاليه نمط من التأمل والتأويل أو منهج خاص في التعاطي مع الأفكار والأحداث، فهو يفسر مظاهر الطفولة والشباب والكهولة، وله بصر واسع بمواقف الرجال وأقوالهم ورؤاهم، ويعقد صلة قوية بين هذه الأشياء ومرجعياتها. وما زلت أتذكر حينما ناقش قصة تتعلق بعشق رجل لامرأة استدل عليها من بقايا الإنسان، ثم انتقل من ذلك إلى أن بقايا الإنسان تدل على عمره وربما هيئته، ولذلك انتقل بعد ذلك ليربط سبب الرأي الشرعي للاغتسال من بول الجارية ونضح بول الغلام. فموسوعيته تتيح له أن يربط بين ما لايجد الناس رابطاً فيه، وتمكنه من علوم متنوعة أتاح له فرصة تنوع الرؤى والمعارف. تمتد الرحلة ويزداد التآلف ويجد معاليه راحة في رفقته بحمد الله فتتنوع المواقف معه، ويصبح لنا موعد متكرر من الشاي الأخضر والعبودية، ومع مطعم الروشة، ومع الأحاديث الطريفة اللذيذة التي يتنقل بنا وبها معالي الشيخ من فن إلى فن ومن قرن إلى آخر ومن جنس إلى ضده ومن جيل إلى تاليه ومن رؤية إلى ما يعاكسها، وأنا أتأمله وأحمد الله أن منحنا معاليه هذه الفرصة التي لا تتكرر إلا نادراً، وأحمد الله أن وهب جيلنا رجلاً مثله يستطيع أن يكون مرجعية مستقلة فيما نختلف فيه. نتشوق أنا والدكتور محمد المشوح إلى زيارة بعض الأسواق والمجمعات التجارية، ونعرض على معاليه الرفقة والصحبة إليها، وبعد أن يشير إلى أنه سينشغل بالكتابة أو القراءة، وهذا أمر حقيقي لا مجازي، يشير بكلمة عظيمة إلى أهمية أن نذهب ونشاهد ونرى ونتعرف، أما هو فقد (شبع!!)، وهي كلمة ذات إيحاءات ودلالات واسعة. كنت معها أتخيل نفسي حرفاً بجوار أبجدية كاملة، أو عتبة قبالة سلم طويل، أو غيمة بجوار سماء واسعة جداً. فهل تتحدث عن الدول والمدن، وقد زار الكثير الكثير الكثير منها. وهل تتحدث عن الوجوه، وقد رأى أشكالها. وهل تتحدث عن الأنهار، وقد رأى أجملها واكتشف أسرارها وقممها ومنابعها. وهل تتحدث عن الجبال، وهو الذي زارها وكتب عنها. وهل تتحدث عن المؤلفات والحوارات واللقاءات وهو ابن بجدتها. ولكننا حين ذكرنا (أنا والدكتور المشوح) لمعالي الشيخ رغبتنا بزيارة عدد من المكتبات في بيروت (المركز الثقافي العربي وبيسان وغيرها)، وظننا أن معاليه قد لا يرغب بها بحكم اتجاهها الحديث الذي قد لايتفق مع رؤية الشيخ، ولكنه أكد على رغبته بذلك، وذهب بالفعل، واشترى أكثر مما اشتريناه، وعاد مرة أخرى واشترى كمية إضافية، وكان اللافت جدا لي على الأقل ما اشتراه من فنون متنوعة، وحديثه الطريف عنها، وكان لايبيت في بيروت إلا بعد أن يقضي وقتاً طويلاً في القراءة. وقال لنا: اشتريت كتباً في الفلك، وهذا العلم العظيم لم أتفرغ له بعد كما يجب! وأنوي القيام بذلك! وقد جئنا له لجلسة الشاي الأخضر والعبودية فرأيت أحد الكتب الكبيرة وقد انتصف في قراءته، فأكبرت في معاليه هذا العزم والعزيمة، وهذا الجلد والهمة الطويلة، وتذكرت الشاعر العربي، وهو يقول: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام وكلمة علي رضي الله عنه أكمل حين قال: تقول العامة: قيمة كل امرئ ما يحسن، وتقول الخاصة: قيمة كل امرئ ما يطلب! وأشهد أن معالي الشيخ محمد العبودي من خاصة الخاصة في نشاطه العلمي وحرصه على المعرفة وتتبع العلوم والفوائد والمعلومات وجلده في استقصائها. أسأل الله أن يبارك في عمره وعمله ووقته وذريته. وقد سمعته يسأل عن عدد من كتب الرحلات وطبعاتها الجديدة والمحققة مما ذكرني بلقائه الجميل في المدينةالمنورة بحضوري وعدد من الزملاء مع الباحث الكبير الدكتور محمد التازي محقق رحلة ابن بطوطة، وقد احتفى الجميع بمعاليه ومنهم الدكتور التازي، فسمعت معالي الشيخ يتحدث مع الدكتور التازي عن تصديقه لابن بطوطة في رحلاته، وأن من أنكر بعض ما نقله ابن بطوطة بناء على العقل وما يصدقه، فإن معالي الشيخ يقول زرت ما تحدث عنه ابن بطوطة، ورأيت صحة ما ينقله في رحلاته، وهنا اندهش الدكتور التازي، وطلب من معالي الشيخ أن يقبل دعوته الفورية إلى زيارة المغرب العربي للحديث عن تجاربه ورؤاه، وقد وجدت معالي الشيخ يسأل عن الطبعات المحققة والمعلومات الجديدة حول رحلة ابن بطوطة وغيرها. وذكر لنا شيئاً طريفاً حدث له قبل خمسين عاماً كما أذكر حينما كان في المدينةالمنورة، وذلك أنه اشترى مكتبة كاملة وحملها في سيارته، وكان تمتلئ بالكتب النادرة والمخطوطات المتميزة، وما زالت في مكتبته إلى الآن كما ذكر حفظه الله. والحديث عن الكتاب ومعاليه، أو حديث معاليه عن الكتاب حديث طويل، فله منهج خاص في التأليف والكتابة وهذا متفق عليه، ولكن الذي تجب الإشارة إليه هو أن له منهجاً في الحث على التأليف وتحفيز الناس على المبادرة في ذلك، وهو شيء يرد كثيراً في أحاديثه، فسمعته يحث صديقه معالي الشيخ محمد بن عودة على جمع سيرته مراراً وغيره؛ بل إنه سألني عن عدد مؤلفاتي، وأشاد بنبله الكبير بها، وعلى رأسها: فتنة القول بتعليم البنات، وتلك أخلاق الكبار، ولأنه منهج وجبلة وليس عرضاً عابراً، فأنت تجده يقف وراء بعض مؤلفات غيره، ومنها للتمثيل فقط كتاب معجم المطبوع من دواوين الشعر العامي للأستاذ محمد الحمدان، وهو ما يصرح به المؤلف نفسه. وقد ذكر لي معالي الشيخ أنه طلب من أحد أصدقائه العلماء الذين في مكة، ممن يملك مكتبة ثمينة في الحرم المكي، أن يعيره بعض الكتب فاعتذر بأنه لم يعر أحداً، ولكنه أذن للشيخ أن يدخله في المكتبة ويغلق عليه فيها، ويفتح له بعد عودته إليها بفترة طويلة، أظنها ليلة كاملة، فمكث الشيخ طوال الفترة يقرأ وينسخ، ولم يبق من هذه المكتبة إلا ما نسخه معاليه، حيث لحقها تلف كبير بعد الأحداث التي جرت في الحرم المكي. هذا الولع بالكتاب ليس ولع الجمع والاستئناس بها فحسب، وإنما ولع الباحث المحقق الذي يجمع ويحلل ويستدل، وهو دأب الشيخ العام، وقد رأيت منهجه التحقيقي يتجلى في كتاباته عامة؛ بل إنه يدعم آراءه بأدلتها، ولايستنكف أبداً من قبول الحق، ولكنه يشترط الدليل. وقد سمعت أحدهم يخاطب معاليه بوجود خطأ في أحد كتبه، فيقول له الشيخ ما معناه: هذا كلام، ولكن أثبت الدليل، وسأقوم بتغيير ما كتبت. سأقول شيئا انطباعيا ومباشراً، وهو أن هيئة الشيخ هي الهيئة المعتادة لعلمائنا وكبار السن لدينا في المملكة، وذلك بلباسه البسيط، وطريقة تعاطيه الاجتماعي، وهذا يكشف لنا أنه ابن هذه الأرض، وهو ببساطة متناهية هو أحد ثمارها الجميلة. وقد ينظر إليه أحدنا أو يجالسه فيظن أن هذا الهيئة تخفي بساطة في التعاطي مع العلم والمعرفة، ولكن الواقع شيء آخر جداً، وهو ما يتمثل في التحرير والتحليل الكبير الذي يتميز فيه، وأذكر أننا في بيروت حين نوقف سائق التاكسي يبتدئ بعبارة عمي الشيخ، وهو يقصد معالي الشيخ، ويصرف الحديث إلينا باعتبارات ملامح الشباب فينا، ويتقلص اهتمام السائق بنا شيئاً فشيئاً إلى أن ينتهي، وينصرف إلى معالي الشيخ كاملاً، وذلك بما يجده من أسئلة مهمة، وانكبابنا جميعاً على معاليه، وحديث معاليه عن بيروت وعن لبنان بأشياء لايعرفها عدد من أبناء بيروت نفسها، حتى إنني اندهشت مع زميلي الدكتور المشوح حين قال لنا أحد الذين قابلناهم من اللبنانين وهو لايعرف الشيخ بتاتاً: هذا رجل عبقري وذكي. بل إن أحد سائقي التاكسي، وسائقو التاكسي في لبنان لايختلفون عن اللبنانيين عامة، من حيث الثقافة والحس السياسي والعلمي، أقول: إن هذا السائق يقف بجوار الفندق ينتظر خروجنا نحن لكي يسأل الشيخ أو يحملنا إلى مقاصدنا بهدف الاستفادة من معاليه، ويقول: لا أريد شيئاً سوى الاستفادة منه. يتحدث معالي الشيخ كثيراً معنا ومع من نقابلهم من اللبنانيين عن لبنان ومدنها وطوائفها ومزاياهم وساستها وكبار الشأن فيها وأهاليها ورجالها ونسائها وطريقة تفكيرهم ورحلاتهم إلى العالم وعن البارزين منهم في العالم وعن جاليتهم الكبيرة جداً في البرازيل وعن مطاعمهم وطعامهم وطريقة تقديمه في الدنيا واحتفاء العالم بالطعام اللبناني. يتحدث عن كل هذه الأشياء بالإضافة إلى أنه يتحدث عن أصحاب المكتبات والمطابع القدامى ممن توفوا، كما يتحدث عن العرب الذين سكنوا لبنان. يتحدث عن هذه الأشياء جميعاً، وأجد عدداً من اللبنانين لايعرفون بعضها، أو يتوقعون أن لا يعرف هذه الأشياء غيرهم، ويناقشونه فيها. وما زلت أتذكر حديثه عن اتجاهنا للروشة حين تغير، فسأل السائق ونحن أنا والدكتور المشوح لا نعرف الطريق، فقال له: إن الاتجاه المعروف مغلق مؤقتاً، وإنني سأتجه من الجهة المقابلة، بالإضافة إلى حديثه عن المكون البشري والمذهبي لمدن لبنان. وكعادة الكبار الكبار، فقد كنت ملتزماً وظيفياً بالعودة المبكرة من لبنان قبل عودة معالي الشيخ والدكتور محمد المشوح، فوجدت من الرجل الكبير معالي الشيخ حديثاً فاجأني عندما قال: إننا لانسمح لك، وكان بلطفه الكبير يتحدث عن الألفة وضرورة استمرارها، وأن تأجيل الرحلة طيب. ولم يقتنع إلا بعد علمه بالارتباط الوظيفي لي، فعدت، وما زلت نادماً على ساعات فاتت وربحها زميلي الدكتور محمد المشوح في صحبة معالي الشيخ محمد العبودي. * * * لا يحتاج الواحد منا كثيراً من الوقت لكي يكتشف كبار القدر والشأن، فالكبير لايتضح من كتاباته ورؤاه فقط، وإنما ينكشف من خلال مواقفه وطريقة كلامه وعباراته ومنهجه في الحياة، وأما معالي الشيخ محمد العبودي فهو جماع ذلك كله. يظل المهمومون بالحرف والثقافة والفكر بحاجة إلى المثل النموذجي أمامهم، من حيث اعتباره دليلاً إلى الأفق الممكن وليس المستحيل، وتظل وصايا الأساتذة والآباء لمن دونهم سقفاً مثاليا لايتحقق إلا من خلال النموذج الذي يتجسد أمام العيون. ولأن حديثي يتصل بهذه الفكرة من خلال رجل هو ملء العيون والأبصار، وهو الذي استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة والدقيقة في الجمع بين الأضداد بتوازن كبير، وهو معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي حفظه الله، فسوف ألملم أطراف حديثي القليل عن موضوعي الكبير في محاور متعددة. ومعالي الشيخ محمد العبودي كتاب مفتوح واسع من خلال كتبه الذائعة، ومن خلال لقاءاته المتنوعة، ولكني سأكتب رؤيتي هنا من خلال ما أشترك فيه مع الناس جميعاً بقراءة كتبه، ولقاءاته العامة، ومن خلال ما تشرفت به حين كنت قريباً من معاليه، وتلميذا في مدرسته، برفقة أخي الدكتور محمد المشوح، وكنا في لبنان حيث الروعة في كل شيء، وكان للناس لبنانهم الوحيد، ولنا لبناناتنا ولباناتنا في معاليه، حيث كل لحظة مملوءة بالنبل والفائدة والمتعة، وكان معاليه هو المتفضل بكل ذلك، وهو ربما دون أن يشعر يعطينا الدرس تلو الدرس في طريقة تعامله، ورؤيته للحياة، وطريقة تفكيره وتحليله للمسائل، ولذا ستكون رحلتي السعيدة مع معاليه أحد مصادري في استكناه شخصية معاليه، وذلك من خلال محاور متعددة. فأما المحور الأول، فهو المتصل بالتكوين الثقافي لمعاليه، وهذا يتضح لقارئ كتبه ويتضح لمجالسه والمستمع لحواراته وأحاديثه الإعلامية، فالشيخ العبودي رجل منهجي التكوين، ولذلك تجده واعياً لاستخدام اللغة وتراكيبها واشتقاقاتها، وله باع كبير في الاطلاع على العلوم الشرعية، وهو إلى ذلك وغيره بصير باللجهات والأمثال والتراجم والأنساب، ويعي مناهج العلماء في التأليف، ولذلك تأتي مؤلفاته متميزة بعدد من السمات، وعلى رأسها الابتكار والجدة والتنوع، وهذا ما يشير إلى الشمولية والموسوعية الراشدة في تآليف معاليه وعلومه، وهي إنتاج فكري متميز ومتنوع جاء استجابة وردة فعل طبيعية للتنوع والوعي في التكوين والثراء العلمي والجلد في التحصيل. وقد وظف مسيرته الوظيفية لتعزيز الجوانب العلمية عنده، واستفادت منه بقدر ما استفاد منها، فاهتمامه بالأنساب والمواقع الجغرافية واللهجات خدمه في تنقلاته الوظيفية في المملكة، وكان ذلك يتجلى بصورة أكبر في رحلاته العالمية، فأنت تقرأ أو تسمع، وتدهش عندما يتحدث عن قبائل الصينيين، أو عن المفردات العربية في اللغة الأردية، في ظاهرة فريدة تدل على تداخل العلوم وتآخيها. وأظن أن معاليه فريد وجنس وحده، أو هو ضمن نسق فريد عندنا، وهو الاتجاه الذي عني مبكرا بالأدب واللغة، فالمهتمون من علمائنا وكبارنا باللغة والأدب قليل، وغالبيتهم اتجهوا إلى القضاء والفقه والحديث. وأصبح أنموذج الشيخ العبودي نادراً ضمن هذه الطبقة، ولايعني ذلك أن معاليه انفصل عن الاهتمام بما اهتم به جيله، فهو تلميذ بارز في المدرسة الشرعية، ولكنه ضم إلى ذلك الأدب واللغة، واستفاد أسلوبه من اهتمامه المبكر بها، فنما أسلوبه وتمكن في اللغة. وأما المحور الثاني، فهو ما يتصل بالجانب التاريخي الذي حضر معاليه من خلاله، إذ يشكل معالي الشيخ محمد العبودي ركناً رئيساً في الحركة الثقافية المعاصرة، وهو رجل يجئ لنا مصطلياً بوهج بداياتها، وملتصقاً بأهم مؤسساتها، فالصلة بالمكتبة التي تعد الحجر الرئيس في تكوين الثقافة تمثلت في تكليفه من قبل أستاذه الشيخ عبدالله بن حميد بالقيام على مكتبة جامع بريدة، وهي من أهم المكتبات ذات التاريخ العلمي والثقافي في نجد، واللحظة الأخرى تتمثل بقيامه بتأسيس معهد بريدة العلمي، وهو أحد المعاهد التي أحدثت حراكاً ثقافيا مهماً في نجد، وكان نجاحه الكبير في إدارته والقيام على شؤونه سبباً في اختياره أول موظف في الجامعة الإسلامية، وهو معدود من أهم مؤسسيها، وهو برأيي ورأي كثيرين المصدر الوحيد الذي يملك معلومات لاتوجد عند غيره عن هذه الجامعة. ومعالي الشيخ حفظه الله يمتد بعلمه إلى عدة أجيال، وأنا واحد من كثيرين يدينون له بالفضل في جوانب معرفية متنوعة، بل إني أجد نفسي تجاهه بمثابة الجد العلمي، فهو أستاذ لأبي، وأستاذ لجيله، وما زال بارك الله في علمه وعمله وعمره يعطي للجيل المعاصر، وحين تتزاحم تعليقات الآباء والدارسين المتقدمين لآراء معاليه، فإن الباحثين المعاصرين من الشباب يفعلون الشيء ذاته، وتزخر كتاباتهم بذكره وآرائه، وتجدهم يمتلئون بالشوق إليه وإلى سماع قوله. ثم إن معالي الشيخ بما توفر له من خصائص يعد شاهدا أميناً وموثوقا لتاريخنا على المستوى الشخصي والثقافي، فأنت تجده يحفظ لكثيرين من تواريخ أسرهم وآبائهم ما لايعرفونه هم، بل إن لديه وثائق لأسر لاتملك شيئاً منها، بالإضافة إلى المواقف واللقاءات والآراء، وأنا شخصياً حدثني عن جدي بما لا أعرفه من مواقف متنوعة. ودائما تجد معاليه يربط بين الأقوال وأصحابها، وبين الشخص وأسرته، وذلك على مستوى الرأي والشبه والشخصية، ويذكر الناس بتاريخهم، وهو صاحب منهج يحتفي بإنجازات الناس وتاريخهم، ويشير إلى إنجازات الناس وأسرهم، ولا يجد أي غضاضة في أن يقول الحق الصراح الذي عرفه دون أن يخضع لموجهات العصبية أيا كان نوعها. ولأهمية التاريخ وقيمة الحقيقة، فقد اعتز الشيخ واعتنى بمصدرين كبيرين من مصادر التاريخ فجعلهما من أصدق مصادره، وهما: سماع الشهود والروايات الشفهية من أصحابها والوثيقة. فأما الأول، فقد اعتنى كأكبر ما تكون العناية بما يقوله الناس، وله في ذلك تجارب واسعة، فهو يرحل ويقابل المهتمين بالتاريخ، ويسجل كثيراً من أخباره من أفواه المعنيين، أو من رواتهم وأبنائهم وأسرتهم. ويعتني كثيراً بقيمة الشهادة أو الرواية التاريخية التي يسجلها من الثقاة في هذا السياق، وكنت وما زلت أسمع من العلماء والقضاة ومن كبار السن عن جدي والثقة الكبرى فيه رحمه الله، وأن كتابته بمثابة الوثيقة، ولكني سمعت من معالي الشيخ كلمة تؤكد ذلك عندما قال لي: جدك تقطع على كلامه الرقبة! وهو أنموذج وحيد على ذلك، وله نماذج متعددة في روايته عن الناس. وأما الثاني، فهو حرصه على الوثيقة، وهو حرص رافقه منذ بداياته، فمعاليه حريص على الوثيقة باعتبارها ترصد التاريخ وتوثق المعلومة، ولذلك اعتمد عليها فجمعها ودرسها وتأملها واستنبط معلوماتها، وأظن أن الشيخ أحد قليلين تميزوا في هذا الفن، لا على مستوى الجمع والحصر فحسب، إذ اجتمع لديه من الوثائق الشيء الكبير والمتنوع والواسع، وإنما كان التميز والبراعة في قراءة الوثيقة وفهمها والوعي بخطوطها وكتابها وشهودها ورموزها، حتى إني أتمنى على معالي الشيخ أن يكتب عن تجربته في جمع الوثائق وقراءتها في كتاب مستقل، يشير فيه إلى طريقة استنباطه للمعلومة التاريخية من الوثيقة، وهي المعلومات التي تتمثل في أسماء الأماكن والرجال والنساء والتواريخ والموضوعات والشهود والكتاب، ثم يتم إرفاق عدد من النماذج التي تدل على تنوع الوثائق طولا وخطاً وضبطاً وغرابة، وأعتقد أنه سيكون كتابا منهجياً فريدا، لأن المعتاد في مثل هذه المسائل أن تتم الكتابة عن المخطوطات العلمية فحسب. ولهذه الامتدادات التاريخية العلمية والوظيفية نستطيع أن نقول: إن معالي الشيخ محمد العبودي أستاذ جيل ورجل دولة. فهو أستاذ جيل لاكتمال مقومات الأستاذية فيه، حيث أسس جيلاً علمياً متميزا، وانتشر طلابه في الأرض، وقرأ الناس علومه، واستمعوا إلى آرائه، وامتد أثره إلى محيطه القريب في المعاهد العلمية وفي الجامعات الإسلامية وفي الروابط العالمية. وهو رجل دولة من خلال المناصب التي تولاها، والتمثيل الرسمي الذي قام به، والمؤتمرات التي شارك فيها ممثلاً للدولة. وأما المحور الثالث، فهو التفرد والاختلاف والنسيج المستقل بذاته عن غيره والتنوع في عطائه، حتى أصبح مضرب مثل في هذا الباب. فهو رائد في التأسيس للحركة العلمية في بلادنا، وذلك من خلال المعهد العلمي ببريدة، والجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، وغيرها. وهو رائد في نوعية اهتماماته، إذ جمع بين الشريعة والتاريخ والجغرافيا والرحلات واللغة والأدب. وهو رائد في رحلاته المتعددة، حتى سماه الدكتور محمد المشوح عميد الرحالين، وهي تسمية أخذت في الانتشار والذيوع، ويصدقها الرحلات الكثيرة جداً في زياراته لدول العالم، وكتاباته الكثيرة عنها، حتى كتب عن بعض الدول عدداً من الكتب. وهو رائد في كثرة الكتب والمؤلفات والمشاركات، فمؤلفاته تزيد على المائة والستين، وهي في زيادة ونمو مستمرين. وهو رائد في طول المؤلفات، فله مؤلفات في الستة مجلدات وفي العشرة والخمسة عشر والعشرين. وهو رائد في معرفته بالرجال والناس والعوائل والأسر والأنساب. وهو رائد في تكوينه، إذ جمع بين علوم متعددة، وليس غريباً أن يكون في بدايات طلبه للعلم منشغلاً بتعلم اللغة الإنجليزية. وهو رائد باهتماماته المتعددة، من العلم إلى الدعوة إلى التعليم إلى مجالات الخير. وأما المحور الرابع، فهو المنهجية في التعاطي مع الحياة، فرؤيته واضحة وأهدافه مرسومة بدقة، وهو ما يمكن أن يتمثل في المبادئ الكبرى التي يلتزمها في حياته، ويمكن أن نشير إلى أبرزها، وهي: الاستمرار في طلب العلم. العناية بالكتاب. التحقيق العلمي. المشاركة الثقافية في المشهد المتنوع. وأما المحور الخامس، فهو ما يتمثل في الإشارة إلى سماته العلمية ورؤيته إلى الحياة وطريقته في التحصيل، ومنها: دقة الملاحظة: وهو أمر مشاهد وواضح في معالي الشيخ وأحاديثه وحواراته وأسئلته، فهو لايقف عند ما يلفت الجميع من الأشياء الظاهرة، وإنما يتجاوز ذلك إلى استنباط الدقيق من العلم والمواقف والآراء والسمات. وحين تقرأ له أو تسمع فيلفتك هذا التدفق الكبير من المعلومات التي لايستطيع استنباطها إلا مماثلوه. وهذه السمة أفادت معاليه قدرة واسعة على توثيق رحلاته، فهو يكتب في مشاهداته ورحلاته الأشياء التفصيلية الدقيقة، وهذا لايقف على رحلاته، وإنما يمتد ليكون قادراً على الملاحظة في كل شيء سواء في المسائل العلمية أو الوثائق أو العلاقات الاجتماعية، وأما شأنه في الرحلات فكبير، لأنه يصرح عن نفسه بأن الفضول يقوده إلى أشياء متنوعة. الدخول إلى التفاصيل: فبدلاً من إعطاء المعلومة العامة تجد معالي الشيخ ينتقل إلى تفاصيل المعلومة وأطرافها، ويستدل بالأشياء الخارجة عنها عليها، ورغبة في تحقيقها تجده يسأل ويستفسر عما تظنه بعيداً عنها، ولكنك تفاجأ بأنه يريد أن يستوعب تفاصيل القول فيها. وتبعاً لذلك يتجلى عند معالي الشيخ القدرة على الربط بين القضايا والمواقف والأحداث، وأن ينتقل من الحدث البسيط المهمل عند كثيرين، إلى قضية تاريخية، ومن القضية التاريخية إلى قضية فقهية وهكذا. التدفق اللغوي: يمتاز أسلوب معالي الشيخ بالبساطة في الكتابة، والسهولة في التناول، وأما أسلوب حديثه، وخاصة الإذاعي منه، فيمتاز بالتدفق اللغوي الكبير والبراعة في ضبط اللغة وفصاحة القول. وهو دائم حريص على اللغة واحترام قواعدها وأطرها، وقد أفاده في ذلك النشأة العلمية الصارمة التي تكون من خلالها. وقد علمت من أحد المهتمين باللغة أنهم يريدون تقديم تجربة معالي الشيخ لطلاب اللغة العربية بوصفها أنموذجاً لغوياً فريدا على اللغة العربية المتقنة والسهلة. الذاكرة: يتمتع معالي الشيخ بذاكرة متميزة، فهو يروي ما شاء الله من المواقف والمعلومات بشكل توثيقي دقيق، وقد سمعت من كثيرين شاركوه في عدد من المواقف وأحداث الحياة ويعولون على روايته، ومنهم الشيخ عبدالعزيز المسند رحمه الله الذي سافر معه وشاركه في عدد من المواقف ويشير إلى هذه المسألة. العزيمة والجلد: وهي السمة الرئيسة المهمة في سمات معاليه، وبها استطاع أن يكون نفسه علمياً وإدارياً، وأن ينتج ويعطي هذا العطاء الكبير بتوفيق الله سبحانه وتعالى له. وعزيمته تتصل بجميع مراحل حياته بدءاً بنسخ الكتب بخط يده، ورحلته على الدواب إلى بعض المدن للحصول على الكتاب، ومروراً بسنوات الطلب والقراءة والتأليف، وجمع العلم والمعلومات من مصادرها، وانتهاء برحلاته العالمية، ووظائفه التي تقلدها وما زال، والانصراف لتوثيق المعلومات، وإصدار المؤلفات. والرجل بعمره الآن، وما نجده من حرصه ومتابعته للعلم ولوسائل الثقافة وللتأليف والسفر مما تفتر عنه عزائم الشباب يدل بشكل قاطع على هذه العزيمة والهمة. ومما أتذكره أن أعضاء وفد ضيف الشرف لمعرض الرياض الدولي للكتاب 2008 وهي دولة البرازيل كانوا يتحدثون معي شخصياً عندما ذكرت لهم كتب معاليه عن البرازيل، وعدد المدن التي زارها في البرازيل فقط، وكانوا يتعجبون من ذلك، وأشاروا إلى أنهم لايتصورون أحداً في البرازيل قد زار ما زاره معاليه من البرازيل، وأما مؤلفاته عن البرازيل فذلك يقطعون به. وأما السمات الماثلة في مؤلفاته، فمنها: براعة العنوان: لمعالي الشيخ طريقة لطيفة في اختيار عنوانات كتبه، وهو يجتهد في الاختصار والسمة الأدبية شريطة ألا تقلل من الدلالة العلمية للكتاب. الموسوعية: عدد من كتبه تمثل موسوعات كبيرة في بابها، فكتاب (معجم بلاد القصيم)، أو كتاب (الأمثال العامية)، أو كتاب ( معجم أسر بريدة)، أو كتاب (معجم الأصول الفصيحة)، تمثل الموسوعية بحقيقتها، وهو ما يدعوني أن ألفت نظر معالي الشيخ إلى أن يجتهد في تكليف طلابه أو أبنائه أو الدور الناشرة بأن تعتني بالفهارس المفصلة التي تقوم بتفصيل المعلومات الدقيقة للكتاب، لأن كتاباً مثل: معجم أسر بريدة ليس كتاب تراجم فقط، ولايستفيد منه إلا أبناء كل أسرة يبحثون من خلال الحرف الذي يوصلهم إلى أسرتهم فحسب، وإنما هو كتاب توثيقي كبير للحياة الثقافية والعلمية في بريدة، وهذا يوجب أن يلحق به فهارس متنوعة وتفصيلية كما نجد ذلك في المصادر المماثلة في المنهج والعدد مثل: سير أعلام النبلاء، والأغاني، وغيرها. وذلك بوجود فهرس الأعلام والأماكن والكتب والوثائق والكتَّاب والشهود وغير ذلك. المشاريع الكبرى: لمعالي الشيخ مشاريعه الخاصة والكبيرة، وانتشاره واشتهاره بالعمل الإسلامي والرحلة إلى أصقاع الدنيا حجب عند بعض الأجيال الجديدة ما يتفرد به معاليه من علوم، وما يعكف عليه من مشاريع كبرى، فهو صاحب منهج رصين مبكر، ومشاريعه الرئيسة ولدت مع شبابه، وما زال عاكفاً عليها، وهو ينجز منها الواحد تلو الآخر، ولاينقطع عنها في رحلة أو عمل أو كتاب مختلف إلا ليعود إليها، وتظل هي هجيراه وأنسه وأنيسه الدائم، وهي التي ستبقى كعلامة كبرى في مسيرته العلمية كما يقدر ذلك الراصدون لسيرته ومسيرته. يتضح مساران كبيران في مشاريع معالي الشيخ محمد العبودي، وهما: الأعلام والتراجم. التاريخ والجغرافيا. فكتاب (معجم بلاد القصيم) الذي يعد من أوائل مخرجات مسار التاريخ والجغرافيا الذي سلكه، حيث يعدُّ هذا المعجم البوابة الأولى ضمن المشروع الكبير الذي عمل في رصد المواقع الجغرافية ودراسة تاريخها الثقافي واللغوي والأدبي في المملكة العربية السعودية من خلال فريق من العلماء، وكان جهد الشيخ هو الأكبر من بينها على مستوى الحجم، وكان هو البداية الفعلية الأولى التي ولدت عددا كبيراً من الدراسات حول تاريخ المنطقة وجغرافيتها. ولنتخيل قليلاً هذا المشروع الضخم عندما يتصدى له رجل فرد! في غياب مطلق لأدوات البحث الحديثة، وأدوات التسجيل الكبيرة، وإنما تصبح المسألة مقتصرة على العزيمة فحسب، فيقوم به معالي الشيخ ليرسم من خلال الكتب والوثائق والمشاهدة والمعاينة لمناطق القصيم حجراً حجراً، ويقدم لنا هذا السفر الضخم الذي ما زال بحاجة إلى الفهرسة الدقيقة، لأنه تجاوز الموضوع الواحد، فليس كتاب جغرافيا فحسب! وإنما تجد فيه الحديث عن اللهجات والقبائل واللغة والتاريخ، بل إن فيه معلومات متخصصة يعزُّ أن تجدها في غيره. وهذا القول حول معجم بلاد القصيم ينطق على المعاجم الأخرى كالأمثال والأصول الفصيحة وغيرها. التنوع: السمات السابقة توصلنا إلى سمة مهمة في معالي الشيخ ومؤلفاته، وهي التنوع والثراء والجدة: فمن أراد التحقيق والبحث العلمي فيجد ضالته في المعاجم. ومن أراد جدة الأفكار فليقرأ كتاب حكم العوام. ومن أراد السرد التوثيقي فمشاهد من بريدة. ومن أراد الرحلة فكثيرة لا تحصر. ومن أراد العاطفة والتجلي في الوصف فعليه برحلات معاليه إلى البرازيل. ومن أراد القصة فعليه بمطوع في باريس. ومن أراد النهج التأليفي التراثي فدونه المقامات الصحراوية. ومن أراد الإخباريات فهذه أخبار أبي العيناء. ومن أراد حكايات الآباء والأجداد فكتاباته عن أخبار مطوع اللسيب أو قني. ومن أراد الحديث الشرعي فهذا كتاب نفحات من السكينة القرآنية. * * * كل هذه المداخل والمفردات حول سيرة معاليه العلمية والعملية توجب أن يتحرك محبوه للاحتفاء بهذا الأنموذج المتميز من أبناء هذه الأمة وهذا الوطن، وهو الاحتفاء الذي يتجاوز حفلات الطعام والسلام والتحية إلى لقاءات العلم والدراسة والاستفادة، وذلك بأن يقدم للجيل المعاصر بصفته الحقيقة التي يتجلى فيها جلد آبائنا وأجدادنا في طلب العلم، والسعي في طرقه، ومغالبة الحياة والكدح في سبيل الوصول إلى ما يحقق المعرفة والعلم. ولا بد في كتابة كهذه الكتابة التي أعنى بها الآن، أن ألمح ولو بإشارة عابرة إلى الفكرة التي احتفى بها سمو أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن بندر رعاه الله، وسعى إليها عدد من الزملاء وعلى رأسهم: د. محمد المشوح والأستاذ صالح التويجري، وهي فكرة إنشاء مركز ثقافي يحمل اسم معالي الشيخ، وقد علمت أن معاليه قد وعد بتزويد هذا المركز بوثائق ومخطوطات وكتب ثمينة، وقد كان لي شرف الإسهام بتحريك هذه الفكرة في أروقة وزارة الثقافة والإعلام، وأرجو أن يتحقق لهذه الفكرة التحول إلى حقيقة بشكل عاجل، وذلك تحت مظلة الاتجاه النبيل من الحكومة في تكريم ورعاية الثقافة وأصحابها، ولعل جهود وزير الثقافة والإعلام ووكيله للثقافة سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل تعزز هذا الاتجاه، وهم الأعرف بقيمة الشيخ العلمية والثقافية. هي فكرة، وما زالت الأفكار تولد وحيدة مرتجفة، ولاتجد الأنس والدفء إلا من خلال تواتر الأمنيات والجهود والكتابات، فمعاليه له حق على وطنه ومنطقته، وليس هذا حقاً مجرداً، بل إن مثل هذا المركز سيرتد نفعه وأثره على المنطقة، فمثل هذا المركز ليس فقط تخليدا لاسم الشيخ، فهو خالد بإذن الله بمؤلفاته وعلمه، وإنما بهذه الخطوة ومثيلاتها سيحفظ تاريخ المنطقة وتاريخ رجالاتها، خاصة كمعالي الشيخ الذي رصد تاريخها وقابل كبارها وجمع وثائقها، وهي أمنية نسعى إليها لمثل هذا الرجل الكبير، ولأمثاله في مناطق المملكة بشكل عام. * * * معالي الشيخ محمد العبودي هو أحد أكثر المؤلفين الكبار في تاريخ المسلمين، وهو الأبرز محليا دون شك، وهو إلى ذلك وهذا صاحب ثقافة موسوعية ضخمة، واستطاع بجهوده وعزيمته وبتوفيق الله سبحانه وتعالى له أن يدرك ما لايتيسر لغيره من مجالات العمل والعلم والدعوة، وهو ما يدعوني هنا أن أختم هذه الانطباعات العابرة بعدد من الاقتراحات التي أرجو أن تكون سبيلاً لنفع أعم وأشمل. • من حق تلاميذك يا معالي الشيخ، ومن حق جيلك، ومن حق بلدك وأمتك، أن ترصد تجربتك الشخصية في الحياة العلمية والعملية بكتاب يتصل بسيرتك الذاتية تُسجل فيه الآمال والآلام التي مررت به؛ لتكون نبراساً للجيل الصاعد، ووثيقة تشهد للتاريخ بما مررت به أنت وجيلك من أمور نتخيلها ولا نعيها، ولن يجد جيلنا ناصحاً وصادقاً وأمينا إلا في معاليك وأمثاله. • ماذا عن اللقاءات المفتوحة؟ أعلم جيداً أن معالي الشيخ ممن حطمه الناس بالزيارات وطلبات اللقاء والدعوات المتكررة، وهو ممن يجتهد في الاستجابة للناس، ولكنه يعي أن الوقت ثمين جداً. ومن هنا فأقترح على معاليه أن يحدد مساء أحد الأيام في كل أسبوع أو أسبوعين أو شهر يجلس فيه لتلاميذه ومن يرغب زيارته، فيتعارف الناس على ذلك ويشيع، وبذلك يجد الناس فرصتهم للاستفادة من معين الشيخ الواسع، ويجد معاليه فرصة لضبط طلبات الزيارة العامة، وهي فرصة تتاح لطلبة العلم في اللغة والأنساب والجغرافيا والتاريخ والدعوة ليجدوا بغيتهم في معاليه، وليجد معاليه فرصة لاستماع وجهات النظر المختلفة والمعاكسة، وهو أحد الرجال الذين يؤمنون بقيمة الرأي والرأي الآخر، ولايجعل نفسه في معزل عن الحق، وقد سمعته مراراً وهو يتحدث عن قيمة الحقيقة وميزة الرأي المدعم بالأدلة. • هناك مشاريع كثيرة مؤجلة من قبل معالي الشيخ، وهي معروفة عند كثيرين، ولأن معاليه رجل منهجي ومنجز، فإني أذكره بأن طلاب العلم ودراسي الفترة التي يوثقها معاليه ما زالوا بانتظار هذه المشاريع، وذلك مثل: سيرته الذاتية، وترجمته للشيخ ابن حميد، وابن باز، وحمد الجاسر، وأعلام العالم الإسلامي الذين قابلهم. • أتمنى على معاليه أن نرى قريباً مراسلاته كافة، سواء ما صدر من معاليه إلى الناس، أو ما صدر من الناس إلى معاليه. • افتتح موقع معاليه على الانترنت، بجهود كبيرة من تلميذه الوفي وصديقنا العزيز النبيل الدكتور محمد المشوح، وجهوده مستمرة ومشكورة في نشر علوم معالي الشيخ وآدابه، ولكن الموقع ليس نهاية المطاف، وإنما نتمنى من معالي الشيخ أن يخص هذه النافذة الإلكترونية ببعض الصور والوثائق والرسائل والمسودات والكتابات القديمة وصورا لمكتباته، وتلك هي لغة العصر الحديث، فلعل معاليه بهذه الخطوة يضيف لهذا الموقع حياة جديدة. * * * أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكلل مساعي معالي شيخنا الجليل محمد العبودي بالسداد والتوفيق، وأن يبارك له في عمره وعمله وذريته ووقته، وأن يجزل له الأجر والمثوبة جزاء ما قد. إنه ولي ذلك.