أحيانا تشعر بغثيان وأنت تقرأ لأشخاص يقدمون كمفكرين للأمة العربية وضميرها، هذه الأمة التي مازالت تتمسك بالعرقية بعد مرور 14 قرنا على الإسلام، الذي يناهض العرقية ويمقتها ويراها نتنة. هذا ما حدث لي وأنا أقرأ مقال فهمي هويدي «مسألة ضمير»، الذي تحدث فيه عن اللقاء الذي كان سيتم بين أوباما وثمانية صحفيين. وكيف هو أي فهمي هويدي انتفض حين عرف بوجود إسرائيلي فقرر المقاطعة، مع أنه أعد أربعة أسئلة سيحرج فيها رئيس أمريكا التي تحابي إسرائيل. وأحال الأمر للضمير، ليلمع ضميره ويقلل من ضمير الصحفيين الآخرين؛ لأنهم قبلوا الجلوس و التطبيع كما يلمح مع هذا الصحفي الإسرائيلي، مع أن هناك صحفيا فلسطينيا هو صاحب القضية لم يذكره ولم يلمح له ولا حتى ذكره بالاسم. وختم مقاله قائلا: «ذلك أنني أعتبر أن الصحافي شأنه في ذلك شأن أي مثقف، هو في النهاية ضمير أمته، والضمير لا يقبل التجزئة أو التقسيط، إذ لا أستطيع أن أميّز بين الضمير المهني أو السياسي أو الأخلاقي، وأعتبر هذا التمييز الذي يمارسه البعض ليس سوى نوع من الاحتيال أو الالتفاف، يُراد به في النهاية تسويغ خيانة الضمير، وهو ما لا أرضاه لنفسي، وأحسب أنك أيضا لا ترضاه لي، لأنني يوم الحساب لن أسأل عن حوار صحافي خسرته، ولكنني سأسأل عن ضميري إذا خنته». بعد هذه البطولة الساذجة والمراهقة التي قدمها أحد مفكري الأمة «هويدي» التي تؤكد أنها متأخرة، مع أن أهم أسباب تأخر وتخلف الأمم قائم على تخلف مفكريها، قدم مقاطعته هذه على أنها جهاد بسيط. وبما أن الحديث عن الضمير الذي لا يتجزأ، لماذا لم يطالب مثل هؤلاء بمقاطعة صدام حين احتل الكويت، وطلب من دول الخليج أن تتحاور معه وتقنعه بالانسحاب؟ ولماذا يطالب هؤلاء من دول الخليج أن تجلس مع إيران وتتحاور معها رغم أنها تحتل جزرا إماراتية، أم أن ضميرهم يفرق بين احتلال وآخر؟ وبما أنه قدم نفسه مجاهدا، لماذا لم يطرح أسئلته ليحرج أوباما، طالما أفضل الجهاد كلمة حق في وجه حاكم جائر، وأوباما رئيس الدولة الجائرة في انحيازها لإسرائيل؟ ما يثير الحزن مع هذا الغثيان، أنه وبسبب ترديد هذا الخطاب المراهق والعاطفي من القومجية والإخوان ستين عاما، أصبح هذا الخطاب يؤتي ثماره، ويصفق له مئات الملايين، مع أنه أضرنا كثيرا. فإلى الآن يعتقد الكثير من سكان العالم أننا نحن الوحوش فيما الدولة الإسرائيلية طيبة محاطة بوحوش سينقضون عليها في أية لحظة، هذا العالم الذي نريده أن يساند قضيتنا دون أن نشرح له قضيتنا، ونمارس بسذاجة المقاطعة حتى ونحن نريد التعبير عن رأينا. أخيرا .. شكرا للإعلامي جمال خاشقجي عدم ممارسة تلك المراهقة، التي مازال الكثير يصفق لها، فالقضية هنا لا دخل لها في الضمير، وإن كان ولابد أن يطرح الضمير فيخيل لي أن تجيير القضايا الكبيرة لتحقيق مصالح شخصية؛ ليصفق لك الملايين بسبب مقاطعتك الساذجة، هنا سيسأل الضمير: لماذا لم توضح حقيقة ما يحدث للعالم، هذا العالم الذي تريده أن يناصر قضيتنا، وفضلت أن تكون بطلا على حساب قضية عادلة ومنتهكة من أهلها؛ بسبب مصالحهم الشخصية وبطولاتهم الزائفة؟