عنوان جدلي مثير وغير قابل للتصديق أبدا، ولو كان ردد من قبل أحد الخبراء أو المحللين المختصين لكان نعت بأسوأ العبارات وأشد الصفات المليئة بالجهل وقلة الإدراك. جنرال موتورز تعلن عن إفلاسها، إنه الفصل الجديد في الأزمة الاقتصادية العالمية التي لا تزال تعصف بالشركات الكبرى الواحدة تلو الأخرى في مشهد «هوليوودي» مليء بالإثارة والدراما والخيال. جنرال موتورز التي كانت يوما رمز وأيقونة الرأسمالية القوية والحراك الصناعي الكبير ومضرب الأمثال لحال وصحة الاقتصاد الأميركي، إذ كان يقال كيفما تسير جنرال موتورز سار الاقتصاد الأميركي، تحولت مع مرور الوقت إلى شركة مترهلة مليئة بالشحوم الإدارية والأعباء وفقدت قدرتها على القيادة لصالح تويوتا وفولكس واغن ونيسان وبي إم دبليو، وغيرها من الشركات التي تعاملت مع تحدي العولمة وقرأت الاحتياجات والتحديات الجديدة سواء على صعيد استهلاك الغاز أو المتطلبات البيئية أو التصاميم العائلية والشبابية المرنة. جنرال موتورز تحولت باختصار إلى ديناصور صناعي غير قادر على الاستمرار. أميركا لن تكون لاعبا أساسيا في الصناعات الكبرى، وكما خرجت من صناعات النسيج والمفروشات والحديد ها هي تخرج تدريجيا من صناعات السيارات لصالح أوروبا واليابان وكوريا (وحتى الهند والصين!). لقد كان يوما صعبا في تاريخ الصناعات الأميركية وهي ترى سعر سهم جنرال موتورز يتهاوى بشكل مخيف لمراحل دنيا غير مسبوقة حتى كسر حاجز الدولار الواحد (وهو نفس المشهد الذي تعرض له مصرف سيتي ولكن دون أن تشهر إفلاسها). جنرال موتورز ستأخذ وقتا مهما وحساسا لالتقاط الأنفاس وإعادة هيكلة إدارتها وإعادة ترتيب عملياتها التشغيلية، وذلك ستكون نتيجته الاستغناء عن الآلاف من العمال والموظفين وإغلاق المصانع وإلغاء التعاقدات مع الموزعين ومع موردي قطع الغيار في كافة أنحاء العالم. وهذا الضرر الهائل ستتأثر به قطاعات ومجالات كثيرة في الصناعات المساندة والخدمات الداعمة لجنرال موتورز منها عدد غير قليل في الشرق الأوسط. جنرال موتورز ستتحول إلى شركة أصغر حجما وأقل عددا وذات موديلات وماركات أقل، مما سيخفض من طاقاتها الإنتاجية وبالتالي من حصتها في أسواق العالم. باراك أوباما بتدخله في حل المشكلة منع «انهيار» الشركة، وبالتالي زيادة التكلفة المعلقة بانهيار الشركة وأصبح الوضع قابلا للإدارة في ظل الأزمة الخانقة التي يمر بها العالم، ولكن من نتاج هذا التحول أن الحكومة الأميركية ستمتلك أكثر من 70% من جنرال موتورز في مشهد لا يمكن وصفه إلا بغير القابل للتصديق. جنرال موتورز التي كانت يوما رمز الرأسمالية المتوحشة أصبحت اليوم رمزا للاشتراكية الحقيقية المتمثلة في تملك الدولة المباشر للكيان. «بركات» جورج بوش لا يزال يحصدها باراك أوباما على كل الأصعدة، وما الأحداث الأخيرة إلا فصل جديد في رعونة الإدارة التي تخصص فيها بوش وزمرته العجيبة، ولا يزال العالم كله يدفع ثمنها بشكل أو بآخر. والمشكلة أن فصول المهزلة لم تنته حتى الآن. أفرك عينيك جيدا وأنت تقرأ أخبار الاقتصاد هذه الأيام، لأنك بحاجة لإعادة تعلم الكثير مما اطلعت عليه من قبل!