«مصلحة جنرال موتورز هي مصلحة أميركا»، مقولة تنسب لوزير الدفاع الأميركي تشارلز ويلسون بعد انتقاله من رئاسة الشركة إلى وزارة الدفاع في منتصف الخمسينات من القرن الماضي. ترددت المقولة هذا الأسبوع كثيراً على شاشات الأخبار وصفحات الجرائد الغربية مع إعلان عملاق صناعة السيارات في العالم إفلاسه يوم الاثنين الماضي. وعلى رغم أن الإفلاس بحسب الفصل ال11 الذي أعلنته الشركة لا يعني تصفية الشركة وإنما يقتصر على إعادة الهيكلة والتمويل والحماية من الدائنين، وتقديم خطة إنقاذ في مدة أقصاها 90 يوماً، إلا أن سقوط جنرال موتورز يتعدى مسألة إفلاس شركة، إلى سقوط الأسطورة الأميركية، أو سقوط الرمز حيث ترددت كلماتAmerica Icon, America symbol , emblem of Americas industry. وبالفعل، فخلال 100 عام هي عمر الشركة تغلغلت جنرال موتورز في الوجدان الأميركي، وتعدت كونها شركة تنتج السيارات إلى قائدة لأكبر اقتصاد عالمي، حينما كانت تنتج نصف السيارات المستخدمة في العالم حتى نهاية عقد السبعينات الماضي، وتعدى تأثيرها إلى الجانب الاجتماعي والثقافي والعلمي. وعلى رغم أن جنرال موتورز ستبقى بعد الهيكلة الجديدة، إلا أنها لن تكون جنرال موتورز الأسطورة، إذ سيتقلص حجم الشركة إلى ما يسمى «جنرال موتورز الجديدة»، والتي ستقتصر على إنتاج سيارات «الشيفروليه، جي إم سي، الكاديلاك، والبويك»، في حين ستتخلص الشركة من بعض خطوط إنتاجها، أو بما يسمى «جنرال موتورز القديمة»، وهي المصانع التي تنتج البونتياك، والهامر، والساترن، والساب». وبموجب خطة الإنقاذ فستتملك حكومة أميركا حصة تبلغ 60 في المئة من الشركة الجديدة، وتتقاسم الحكومة الكندية مع اتحاد العاملين في صناعة السيارات الأميركي 30 في المئة، وستتلقى الشركة دعماً يصل إلى 33 بليون دولار من الملاك الجدد. ومن جهتهما، أعلن فرعا الشركة الأوربيان «أوبل الألمانية، وفوكس هول البريطانية» نجاتهما من الإفلاس، بعد أن تقدمت شركة قطع الغيار الكندية «ماجنا» بعرض لشرائهما. وسعودياً، فقد كان لجنرال موتورز حضورها القوي، فكان «الجمس» وهي الكلمة الشعبية التي جاءت من جمع الحروف الثلاثة الأولى لاسم الشركة GMC حاضراً في ثقافتنا الشعبية، فقد كانت لهذه السيارة شعبيتها الطاغية خلال السبعينات والثمانينات الميلادية، وكانت ملهمة الشعراء، وصديقة المهربين الذين يتحدون السلطات بهذه السيارة السريعة، خصوصاً ما يعرف منها بنوع «أبو عبارتين». يقول الشاعر رشيد الزلامي: «أنا أشره على اللي يشتري الجمس ويبيعه»، ولماذا يا رشيد؟ تأتي الإجابة في شطر البيت التالي، لأنه «رفيق الرفيق اليا عطا العثعث الخالي»، والأخير هو سبب اختيار الشاعر للجمس. وفي قصائد الشاعر الكبير بندر بن سرور أوصاف كثيرة وتفاخر بركوب الجمس أو «الوانيت»، وهي التسمية المرادفة للجمس. يقول ابن سرور: الله على إلي يهيض القلب منهاجه... من مصنع البيت الأبيض ورَده زيني إليا عوت قربته عقب ارتفع تاجه... ما عاد أبى اللي مع الطرقة يسليني ومنها: لا تجربونه مايبا الجمس تجريب قد جربه فالبيت الأبيض خبيره والحقيقة إن محرك «غوغل» أعطاني أكثر من سبعين قصيدة في الجمس لشعراء سعوديين، غالبيتهم كان لهم حضورهم الكبير في المشهد الثقافي السعودي، ما يعني أن تأثير جنرال موتورز تعدى حدود أميركا إلى دول تبعد آلاف الأميال. وحتى بعد أن أوقفت جنرال موتورز إنتاج سيارات الجمس منذ أواخر الثمانينات وهو - أغبى قرار تتخذه شركة استثمارية- فقد بقي للجمس حضوره وما زال هناك من يفضله على بقية الأنواع. كما كانت جنرال موتورز أيضاً حاضرة بقوة في المشهد السعودي من خلال سيارات «السوبربان» العائلية، والسيارات الصغيرة من نوع «الكابريس» - والتي تغنى بها بعض الفنانين الشعبيين مثل عيسى الاحسائي - وكانت هي سيارة الأجرة التي يفضلها السائقون على الخطوط الطويلة، وهي عندهم «ستاوي يجرح ويداوي»، و «تسعاوي والخط متساوي»، والمقصود موديلات ال76 وال79، ومن أراد الاستزادة من هذه المصطلحات فعليه العودة إلى مقالات كاتبنا المبدع والمتخصص في الشأن «العربجي» الزميل محمد اليامي! * اقتصادي سعودي – بريطانيا. [email protected]