أحمد السلمي - الجزيرة هل الزئبق الأحمر حقيقة أم خيال؟ ولماذا تنسج القصص حوله؟ ولماذا يروج له الدجالون ولصوص الآثار؟ وهل الجن مدمن للزئبق الأحمر حقا؟ وما حقيقة ما يروّجه سماسرة السلاح الدولي حوله؟ السيناريو مكرر، تجري تفاصيله في قرى محافظات مصر سواء الوجه البحري أو الصعيد: مشعوذ يتقمص دور عالم، يدعي قدرته على تسخير الجان، يستطيع بأسلوبه وكلامه المعسول أن يدغدغ مشاعر البسطاء وراغبي الثراء السريع. يقول: إن بيتك به كنز مدفون لا يمكن أن يقدّر بمال. ولا حرج أن يفصح لك عن أرقام فلكية تصيبك بالدهشة، وربما تروح في حالة إغماء؛ فهو يقول لك إنه سيستخرج من أرض منزلك سائلاً أحمر يسمى الزئبق الأحمر، الجرام الواحد منه يساوي ملايين الدولارات. وتبدأ قصة الوهم والخداع والنصب؛ فاستخراج الزئبق الأحمر أمر غاية في الصعوبة ويحتاج إلى بخور ومكونات أخرى لزوم العملية. وعند السؤال عن أهمية الزئبق الأحمر ولماذا سعره مرتفع إلى هذا الحد المبالغ فيه يأتي الرد بأن الجن مدمن للزئبق الأحمر، وعلى حد تعبير أحد هؤلاء المشعوذين فإن (لحسه) واحدة من الزئبق الأحمر كفيلة بإعطاء قوة خارقة للجان. وطالما أن الشيخ المزعوم يمتلك الزئبق فإن هذا معناه السيطرة التامة على الجان، ليس هذا فقط بل إن الجن العجوز إذا ما شرب من الزئبق الأحمر يعود جنا شابا يحقق كل ما يطلب منه ويمكنه الغوص في أعماق الأرض لاستخراج الكنوز والآثار. وهل فعلاً يوجد ما يسمي بالزئبق الأحمر؟ وهل يدمنه الجان فعلاً؟ الدكتور محمود توفيق أستاذ تكنولوجيا الإشعاع والخبير بهيئة الطاقة الذرية يشير إلى أن الزئبق عنصر معدني مثله مثل عناصر أخرى كالحديد والمنجنيز، يوجد في الطبيعة، وهو عنصر فضي اللون حساس للحرارة، وإذا أضيفت إليه مكونات أخرى يتحول إلى مركبات الزئبق مثل أكسيد الزئبق وكلوريد الزئبق.. إلخ.. ومعروف والكلام على لسان الدكتور محمود توفيق أن العناصر المعدنية عندما تحدث لها عملية تفاعل يتغير لونها، والزئبق عندما يتأكسد ويتحول إلى أكسيد الزئبق يصبح لونه أحمر، وهو مادة سامة تضر الإنسان تماماً مثل جميع مركبات الزئبق الأخرى. ويضيف الدكتور توفيق أن المشعوذين استغلوا هذه المسألة؛ فأكسيد الزئبق ذو اللون الأحمر عندما يوضع على النار ينبعث منه دخان أزرق على هيئة دوائر، ويتصاعد في الجو فيتأثر المشاهد نفسيا. ويضيف: إن أي شخص في مصر يمكنه الحصول على أكسيد الزئبق بسعر لا يتجاوز 200 جنيه إذا توجّه إلى أية شركة كيماويات.. كما يمكنه الحصول على أي مركب إلا إذا كانت هناك دواع أمنية تحظر بيع مركب معين. ويدخل الزئبق في صناعة بعض أجهزة المعامل الطبية وأجهزة الترمومتر وقياس الضغط، ومن هنا يتضح أن الزئبق الأحمر الذي تصل أسعاره إلى ملايين الدولارات مجرد وهم وخيال. وإذا كان وهم الزئبق الأحمر فَقَد بريقه خلال الفترة الماضية بين أوساط المشعوذين وعلماء الآثار لفترة معينة، فإن سيناريو جديدا ظهر خلال السنوات الماضية وبدأ ينسج قصصه حول أسرار الزئبق الأحمر واستخداماته، لكن هذه المرة بدا الأمر بمثابة اللعب مع الكبار؛ حيث ظهر عقب انهيار الاتحاد السوفييتي ما عرف بالزئبق الأحمر المشع، وبدأ يعرف طريقه لأسواق بعض الدول النامية عبر التجار الروس، ولهذه التجارة رجال وعملاء فيما يشبه المافيا، ومع تزايد الحديث عن الزئبق الأحمر المشع أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً أبدت فيه رأيها، وقالت: إن الزئبق الأحمر خدعة ولا يوجد دليل على وجوده، لكن مافيا تجارة السلاح حاولت استغلال الأمر لأبعد الحدود وبدأ الترويج إلى أن الزئبق الأحمر يدخل في صناعة السلاح النووي، وظلت المافيا تبحث عن سوق لترويج ما ادعوا أنه زئبق أحمر، وظهرت أقاويل مفادها أن الزئبق الأحمر هو عبارة عن مادة كيميائية تصدر عنها نيترونات، وهي مادة مشعة يتم استخدامها كمفجر للقنبلة الذرية، ويعتبر المصدر الأساسي للنيترونات التي تقوم بعملية التفاعل المتسلسل للانشطار النووي، ويدخل في كثير من المواد شديدة الانفجار، وقد استغلت ما يعرف بالزئبق الأحمر أسواق بعض الدول النامية لترويج بضاعتها؛ لأن تلك الدول موقّعة على اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي ولا يمكنها شراء أي مواد تساعد في صنع السلاح النووي بشكل علني، وبالتالي تعد تلك الدول سوقا رائجا لهذه التجارة. وهذه المادة قابلة للفرقعة السريعة وتستخدم لتفجير الديناميت، وهذه المادة لونها أبيض وليس أحمر. أما ما تردد حول الزئبق الأحمر فكله أساطير نسجها النصابون والمشعوذون لخداع السذج بعد أن ادعوا أن الزئبق مفيد للحالة الجنسية واستخدموه تجارياً. أما عنصر الزئبق نفسه فيدخل في العديد من الصناعات العصرية، منها أجهزة الترمومتر، كما يستخدم مركب الكلوميل (أحد مركباته) في المجال الطبي كملين. - مصلحة الجمارك