توفيق السيف - عكاظ طبقا لرأي الزميل الاستاذ خالد المشوح فإن التقارب السني – الشيعي وهم لا ينبغي الركض وراءه. ثمة في المذهبين قضايا يستحيل التخلي عنها، وهي بذاتها مانع للتقارب. والدليل على ذلك هو السجل التاريخي المليء بالآلام. البديل إذن هو التعايش كما يرى الزميل المشوح. لن أجادل في مقولة الوهم والاستحالة. ولن أجادل في محتويات التاريخ ولا محتويات المذاهب. ثمة دائما فرص لاستدلالات عديدة على هذا الرأي وعلى الرأي الآخر. كما أن الغرض من هذا النقاش ليس إثبات صحة رأي أو خطأ الآخر، بل هو محاولة لاستكشاف طريق نسير فيه. دعنا ابتداء نقرر فرضيتين تمثلان بوابة النقاش: أولاهما: أننا نناقش المسألة في الإطار الوطني السعودي وليس في الإطار الدولي. نحن نسعى لطي صفحة الجدل المذهبي والتأكيد على الهوية الوطنية الجامعة لكل أطياف المجتمع السعودي وأصنافه وانتماءاته، وصولا إلى تعزيز الوحدة الوطنية والسلام الأهلي وعلاقة الود والأخوة حتى لو بقينا مختلفين في أفكارنا أو معتقداتنا. ليس مهمتنا إطفاء حرائق العالم ولا نستطيع ذلك. ما يهمنا في الأول والأخير هو حماية بلدنا وتحصينه ورفعته وكرامة أهله. الفرضية الثانية: كل مذهب يحوي في داخله عوامل تدعو للتقارب وأخرى للتباعد، وثمة أشخاص في كل طائفة يسعون وراء التقارب أو يسعون وراء الفرقة. ولكل دوافع إما ثقافية أو عقدية أو مصلحية. التركيز على عناصر الفرقة أو عناصر التقارب يتأثر بالظروف التي تتغير بين حين واخر وبين مكان وآخر. ولعل ما جرى في العراق هو أكبر دليل على تعدد العناصر واختلاف الاستعمالات. حين يسود الاتجاه إلى التقارب يتزايد استعمال عناصره وحين تثور الأزمة تتركز الأنظار على عناصر الفرقة. إذا افترضنا أن التقارب مشروط بالعناصر العقدية أو الثقافية في داخل المذهب، فينبغي الرجوع إلى القادة الدينيين للمذهب، الذين يعول على قراءتهم للتراث المكتوب ورأيهم في تطبيقه. وأود إحالة الأستاذ خالد على مقالة الشيخ سليمان المنيع (الوطن 29-4) التي تقرر بوضوح إمكانية التقارب. وثمة كثير من التعبيرات المماثلة في كلا الجانبين. وهناك بالطبع من يطبخ على نار الفرقة والفتنة. لكن المهم هو بيان الإمكانية النظرية للتقارب، أي عدم استحالتها على المستوى الفكري. أما على المستوى العملي، فقد نتحدث عن تقارب أو نتحدث عن تعايش. كلا الأمرين له نفس المؤدى، على الأقل بالنسبة لما نسعى إليه، وهو كما قلت سابقا تعزيز الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. نستطيع المقارنة بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين مثلا، أو بينهم وبين الهندوس أو غيرهم من اتباع الديانات. لدينا في المملكة ما يقرب من مليون وافد مسيحي أو هندوسي، ويعرف القراء جميعا أنه لا توجد فتنة أو صراع بينهم وبين السكان المسلمين. ويعرفون أيضا أن الفوارق بين المسلمين وبينهم أكثر عمقا وأوسع مساحة. لكننا نتعايش معهم على أرضية القيم الإنسانية الجامعة والمصالح المشتركة. ما نبغيه من التقارب أو التعايش السني الشيعي ليس أكثر من هذا: البناء على القيم الإنسانية والمصالح المشتركة في العلاقة بين المواطنين، من أجل حياة كريمة وسلام شامل يسود وطنا يحتضن الجميع. هذا هو مفهوم التعدد في إطار الوحدة، أو مفهوم الاندماج الوطني الذي توصل إليه كل عقلاء العالم شرقا وغربا كطريق لتحسين الكفاءة السياسية والإدارية وتعزيز التنمية الشاملة في البلدان التي تنطوي على تعدد قومي أو مذهبي أو اثني. الاندماج الوطني يحتاج إلى إرادة عامة أو إجماع وطني، يقوده المثقفون ويقوم على أرضية شراكة الجميع في خير الوطن وفي المسؤولية عنه. وأعتقد أن الغالبية العظمى (تلك التي لا تظهر عادة وراء الأسماء المستعارة في مواقع الإنترنت) تميل إلى هذا التوجه وترغب فيه. ولعل الأمر يستدعي من أصحاب الأقلام مثل كاتب هذه السطور ومثل الزميل خالد بذل جهد أكبر لكشف هذه الإرادة ومساندة السعي الخير على المستوى الاجتماعي والفكري لنشر قيم التسامح وتعزيز وحدة الوطن وسلامه. [email protected]