د. باسم خفاجي (المصريون) بعض أشباه المفكرين في العالم المسلم من فرق التدخل الإعلامي للدفاع عن الغرب يحرجون أنفسهم في مواقف غير لائقة تحت دعوى الحريات والحقوق المدنية وقائمة المصطلحات الغربية الجاري تسويقها على أنها تمثل التحضر والتقدم في عالم اليوم والغد. ففي حوار ظهر مؤخراً مع دكتورة مصرية من هذا الفريق، كانت الدكتورة منفعلة لأن الصحف المصرية تروج لفكرة "إعدام الخنازير" في مصر لتجنب كارثة وباء "أنفلونزا الخنازير". تقول الدكتورة أنها "تشم رائحة التمييز" في تلك الصحف لأننا كمصريين لا نحب لحم الخنزير، ولأن منا – على حسب قولها – من يرى حرمة أكله، وعقبت قائلة أن "أكثر شعوب العالم تأكل لحم الخنزير أكثر من لحم البقر"، وهو بالتأكيد سبق فكري يقوم على نظرية "إني أشم رائحة كذا" .. ولا أدري أي مدارس الفكر في العالم الغربي التي تعتمد على ظاهرة الشم في التحليل الفكري والسياسي بل والعقدي كذلك؟ مقدم البرنامج شعر بالحرج مما تقوله الدكتورة المدافعة عن حقوق "الخنازير" والتي تتهمنا بالتمييز ضد الخنازير لأننا لم نطالب في الصفحات الأولى بإعدام الطيور عندما ظهر وباء أنفلونزا الطيور، فأراد أن يهدئ من غضبها قائلاً ليس هناك فيروس "قبطي" وفيروس "مسلم"، وإنما الجميع يبحثون عن مصلحة مصر في مواجهة فيروس قادم لن يميز بين دين المصابين به، ولكنها أصرت أن التمييز ظاهر في خطابنا ضد الخنازير! عاد المقدم بمحاولة أخرى ليخبرها أن البابا شنودة لا يرى مشكلة في ذلك، بل أنه قال على صدر صفحات اليوم في اكثر من حوار صحفي أن لحم الخنزير "يسبب الكثير من الأمراض"، فانفعلت الدكتورة العالمة ببواطن الأمور، وكان رأيها أنها "تشم رائحة المجاملة" للمسلمين في كلام البابا شنودة! هذه الدكتورة لا تستطيع أن تقبل أن البابا شنودة، وهو أعلى سلطة في الكنيسة المصرية يرى أن لحم الخنزير "يسبب الكثير من الأمراض"، وتتهمه وهو رأس الكنيسة المصرية .. بأنه يضلل أبناء الكنيسة ويجامل المسلمين على حساب "الخنزير" المسكين .. وتعود مرة أخرى للتحليل الفكري باستخدام حاسة الشم، وهو نمط جديد مبتكر في التحليل لم نسمعه من هذا الفريق من قبل! لسنا بحاجة إلى حاسة الشم لكي نكتشف مظاهر واضحة جلية للتمييز في عالم اليوم ضد من هم أكرم على الله وعلى العباد من الخنازير، ولكن الدكتورة لم تتحرك ولم نسمع لها صوتاً في الدفاع عنهم. أليس التمييز ضد أبناء فلسطين واضحاً في مئات الآلاف من القنابل التي ألقيت فوق رؤوس أطفال غزة منذ شهور، ولم نسمع لفريق دعم مصالح الغرب في أمتنا أي حديث عن الظلم والتمييز الذي يحدث على الأطفال وليس على الخنازير؟ ألا تعرف الدكتورة ما يحدث في مطارات الغرب وهو قدوتها من تمييز ظاهر ضد المسلمين بسبب الحجاب أو أي مظهر من مظاهر الإسلام – رغم مخالفة هذا لكل قوانين الحريات المدنية والليبرالية ولكنه يمارس باسم "الحرب على الإرهاب"؟ لماذا لم تهتم الدكتورة بالدفاع عن حقوق المسلمين ضد هذا النمط المتكرر من التمييز والاضطهاد والظلم؟ ألا تعرف الدكتورة أن الغرب هو من أسمى المرض بأنه "أنفلونزا الخنزير"، وبالتأكيد في هذا "تمييز" ضد هذا الحيوان الوديع، ولكنه الغرب .. هو من فعل هذا .. ولم يفكر في "رائحة التمييز". وسائل الإعلام الغربية تنادي بإغلاق حظائر الخنازير، بل وحرقها أيضاً ولكنهم بالتأكيد مختلفون عنها، فعندما يفعلون أو يقولون ذلك .. فإنهم يفكرون في الصالح العام، ولكن عندما نفكر نحن في ذلك، فإنما هو بسبب عقلية التمييز المتمكنة من نفوسنا! نحن بحاجة إلى الدفاع عن حقوق الأغلبية، لأن المدافعين عن الأقليات أصبحوا يحتلون معظم وقت الإعلام، بل أصبحنا نهتم حتى بحقوق الخنازير .. عندما يحارب النقاب في بلادنا، وهو منتشر بين الفاضلات من المسلمات .. أليس هذا شكل من أشكال التمييز .. عندما يحارب من يرغب في العمرة أكثر من مرة في العام .. ويحاولون سن قوانين لمنع ذلك .. بينما يدعوننا في نفس الوقت إلى زيارة الكيان الصهيوني بدعوى الرغبة في الصلاة في القدس .. أليس ذلك تمييز ضد قطاع كبير من المتدينين في بلادنا .. عندما تكون رئيسة التلفزيون المصري محجبة، ولكنها تمنع المحجبات من تقديم البرامج في التلفزيون، أليس ذلك شكل من أشكال "التمييز" .. عندما يصنف الناس على أبواب السفارات الغربية في مصر بناء على دينهم أو عدم التزامهم بإسلامهم قبل أن تمنح لهم تأشيرات الدخول أو السفر .. أليس ذلك شكل من أشكال "التمييز" .. إذا كنا نريد ألا يمارس "التمييز" ضد خنازير مصر .. فماذا عن أبنائها أيتها الدكتورة الخبيرة بقضايا التمييز؟ كم هو مخجل أن ندافع عن التمييز ضد خنازير العالم العربي على صفحات الصحف ووسائل الإعلام.. ولكننا لا نحرك ساكنا دفاعاً عن أبناء نفس هذا العالم – الذي ننتمي جميعاً له شئنا أم أبينا في مواجهة الظلم والتمييز الذي لا يحتاج إلى حاسة شم لكي يكتشف .. ولكنه يحتاج إلى القليل من الإحساس الذي يفقده من لا يرى إلا الغرب قدوة، ومن لا يرى من الفكر الأمريكي إلا نموذج التفكير المعادي للدين نبراساً ومثلاً يحتذى. كم هو كاشف ومحزن أن تصبح قضية البعض من هؤلاء في مصر اليوم .. أن ندافع عن التمييز ضد "الخنازير" .. وان ندافع عن "الخنازير"، وكم بمصر اليوم من العجائب والمفارقات.