تتيح مواقع الصحف والمواقع الإلكترونية الفرصة لأي أحد أن يقول ما يشاء حول أي موضوع أو ملف يطرح للنقاش، بل إن تعليقات تنشر لا يكون لها صلة بالموضوع الأصلي، ولا حاجة لأن يبرز أحد هويته لكي يدخل ويشتم ويهجو بالطريقة التي يحب، ففي باب التعليقات في المواقع حرية لا تتوفر للكتَّاب أنفسهم، من دون أن يعني ذلك أننا ضد سقف الحرية المرتفع، لاسيما أنها حرية تفتح الباب كذلك للكثير من التعليقات والتعقيبات التي تنتصر للحق وقضايا الأمة. تتيح لك التعليقات، تمامًا كما هو حال بعض المقالات، الاطلاع على مستوى من الأحقاد والهبوط الأخلاقي والسياسي لا مثيل له، وينتابك الشك في أن أصحابها يعبِّرون حقيقة عن قناعاتهم، بقدر ما يعبِّرون عن أحقاد متعددة الدوافع، حزبية، فئوية، طائفية، انتهازية، بل سقوطًا أخلاقيًا وعمالة في بعض الأحيان. من شاء أن يفهم ما نقول، فليدخل إلى منتديات الإنترنت في كل ما يتعلق بالمعركة في قطاع غزة وتداعياتها، وليتابع ذلك السيل من الكذب والهراء وتنفيس الأحقاد، في ذات الوقت الذي سيتابع فيه نفثات قلوب مدججة بالخير والانتماء لهذه الأمة. نعلم أن وسائل الإعلام المحترمة في الدول التي تحترم شعوبها لا يمكن أن تنشر ما يسخف إجماع الأمة، أو يبث الفرقة في صفوفها، أو يثير النعرات العنصرية، وقد رأينا كيف توحَّد الإعلام الإسرائيلي خلف جيشه، وكذلك المجتمع في المعركة الأخيرة، بينما كان الموتورون إياهم يسلقون المناضلين بألسنة حداد، والأسوأ أنهم يبدون التعاطف المزعوم مع الضحايا، مع أنهم في قرارة أنفسهم يتمنون لو أبيدت غزة بمن فيها بالقنابل النووية، وبالطبع حتى يتخلصوا من هذا العدو «الأصولي» المسمى المقاومة. ويكفي أن تحتفي الدوائر الإسرائيلية بمقالات طائفة معروفة الأسماء من الكتاب العرب، وتوصي بإعادة نشرها، حتى ندرك معنى هذه السطور وبعض ما دفع إليها. لا يتوقف الأمر عند وسائل الإعلام، فمن وراء تلك الأصوات النشاز، ثمة سياسيون يخرجون على الفضائيات يشتمون ويرغون ويزبدون في مواجهة التيار العام للأمة، بينما لا تسعفهم محاولات تزيين مواقفهم بشيء من السياسة والفذلكة والتغني بأمجاد قديمة، بعضها، بل ربما كثير منها مشكوك فيه، بحسب المتحدث وانتمائه. لقد ذهب علماؤنا في القديم إلى اعتبار الإجماع من مصادر التشريع، والأمم حين تجمع غالبيتها الساحقة على معركة من المعارك، ثم يأتي موتورون يقتلهم الحقد ليقفوا في المربع الآخر، فهؤلاء لا ينبغي أن يواجهوا بغير الازدراء، وإذا ما كتب أو صرح أحدهم بذلك، فعلى الجميع أن يتصدوا له. مرة أخرى، نحن لا نتحدث عن وجهة نظر، لأن إجماع الأمة يكفي كي يكون الموقف الذي يبث الخذلان في صفوفها شكلاً من أشكال الخيانة.