خلال أيام تحول نبيل البوشي من مجرد اسم يرد أحيانا في بعض الصحف والفضائيات كمعلن أو كداعم لصفقة كروية أو راع لاحتفال شعبي, إلى ظاهرة تشغل الجميع بحثا عن إجابة لسؤال منطقي هو: كيف تمكن رجل بمفرده من خداع العشرات من نجوم المجتمع تحت سمع وبصر أجهزة الدولة؟ البيانات الشخصية للبوشي تقول إنه محدود التعليم، خلافا لما كان يشيعه في السابق عن امتلاكه لشهادة ماجستير في المحاسبة، لكن الوقائع التي تكشفت خلال الأيام الماضية تؤكد أن التعليم ليس معيارا وحيدا لقياس مدى قدرة الفرد على تحقيق أهدافه .. البوشي نجح في غضون 5 سنوات من جمع عشرات الملايين من الدولارات (بالضبط 196 مليون دولار) من أبرز نجوم المجتمع في مصر ودول عربية أخرى، لتوظيفها مقابل أرباح بلغت في بعض الحالات 1195 % (كما في حالة الممثلة ليلى علوي)، قبل أن يعجز عن إكمال رحلته متأثرا بالأزمة العالمية التي أجبرته على التوقف عن تسديد العوائد الشهرية لزبائنه. خلال السنوات الخمس، كان البوشي موضع ثقة أسماء مصرية رنانة، فمن الرياضيين جاء نجم الأهلي السابق محمود الخطيب، ونجم الإسماعيلي الأشهر علي أبو جريشة في مقدمة المودعين بمليون ونصف المليون دولار للأول و600 ألف للثاني . ومن بين نجوم الفن برزت أسماء حسين فهمي وميرفت أمين، فضلا عن ليلى علوى كأبرز من وثقوا بالرجل ومنحوه أموالهم مقابل تعهد منه بفائدة 30 في المائة. يدهشك طبعا أن هؤلاء جميعا ظلوا صامتين لسنوات على البوشي، فلما أحسوا بأن هناك خطرا على أموالهم تقدموا فرادى وجماعات ببلاغات تطالب النيابة المصرية باسترداد أموالهم المنهوبة، بل إن منهم من راح يتنصل من أي علاقة برجل الأعمال الذي وصف من قبل بعضهم ب"البذيء" و"النصاب العالمي"، فيما نشطت السلطات المصرية لاستعادته من دبي حيث يواجه تهما مشابهة. " عناوين" افترضت مع عدد من القراء أن قضية البوشي لم تتفجر، وسألتهم: ماذا لو عرض عليك البوشي أن تضع أموالك لديه مقابل عائد شهري 30% ؟. فكانت الإجابات على النحو التالي: - محمد عبد الفتاح (موظف 35 عاما): طبعا أودعها بلا تردد، لكن أين هي الأموال أصلا؟ - رجب السيد عبد العزيز (تاجر50 عاما): كنت سأبحث عنه وأرجوه أن يقبل أموالي عنده .. هذه فرصة لا يجب تفويتها. - جمال عبد المنعم محمود (تاجر موبيليا): مؤكد كنت سأشك فيه، أين هي التجارة التي تدر كل هذا الربح؟ - ماجد رزق عبد الحميد (كاتب قصة 40 عاما): كنت سأتردد، فحكايات شركات توظيف الأموال ما زالت قريبة للذهن. - نورا كمال علي (موظفة 36 عاما): طبعا كنت سأضع أموالي عنده. ورغم أن هذه الإجابات تشير إلى وجود استعداد فطري لدى المصريين لاستسهال الرزق، فإن منهم من يلقي باللائمة على من أودعوا أموالهم لدى البوشي، ويرون أن الرجل أتقن عملية النصب لدرجة إزاغت عيون ضحاياه، فلم يروا منه غير الجانب اللامع وهو الربح دون أن يتحسبوا لما بعد ذلك. لم ينتبه الضحايا مثلا إلى أن البوشي شريك في شركتين باسم واحد "أوبيتما" أولاهما في مصر، والثانية في إنجلترا. لم ينتبهوا كذلك إلى أن عقد الإيداع مكتوب باسم الشركة الإنجليزية، في حين أن أموالهم مودعة في الحساب الشخصي للبوشي .. كانوا فخورين فقط بالربح الوفير الذي تدفق عليهم عدة أشهر قبل أن ينقطع. كلهم تقريبا يقولون إنهم خدعوا بالرجل، بعدما بهرتهم شبكة علاقاته العليا والأخبار المتداولة عنه في الصحف ووسائل الإعلام، لكنهم حينما أخبروا أن هذه الأخبار لم تكن حقيقية ومعظمها وضع على صفحات الجرائد بأساليب احتيالية يقولون: وهل كان بإمكاننا أن نشك والعوائد تنهال علينا كل شهر؟ البوشي نفسه رد على هؤلاء في حوار تلفزيوني أجرته معه صحيفة "المصري" أمس الأول حيث قال: لقد أعطيت من دفع مليون دولار مليونين خلال عام واحد فهل أكون نصابا؟ هو أيضا يؤكد أنه سيرد جميع المبالغ لأصحابها بشرط أن يقدموا مستندات بدلا من إطلاق أرقام فلكية هم أول من يعلم أنها غير صحيحة. من جانبه، رأى الكاتب والسيناريست المعروف وحيد حامد أن البوشي ليس مذنبا، فالطمع المتأصل في نفوس بعضهم هو المذنب الحقيقي في كل ما حدث. وشبه حامد في مقالة نشرتها صحيفة " الشروق " اليومية بين ما حدث لمودعي البوشي في مطلع القرن الحادي والعشرين، وقصة الصعيدي الذي اشترى الترماي قبل عشرات السنين بعدما أوهمه نصاب محترف بأنه يملك هذا المرفق العام. القصة – لمن لا يعرفها– تقول إن نصابا شاهد صعيديا وفي حوزته حافظة نقود ضخمة، فاستقل معه ترماي (قطار يسير داخل المدينة)، ثم أخرج 10 جنيهات وطلب من المحصل تذكرة، فلما تعذر الأخير بعدم وجود صرف طلب منه النصاب أن يبقي المبلغ معه، على أن يأتي إليه كلما توافر معه أي مبلغ .. وهو ما حدث فعلا، الأمر الذي لفت نظر الصعيدي، فتوجه بنفسه للنصاب وسأله عن سبب اهتمام المحصل به. قال النصاب حينها إنه (المحصل) يورد له عائد الترماي لأنه مالكه، فسأل الصعيدي ثانية : وكم يبلغ العائد يوميا؟ فقال النصاب: 10 جنيهات. وعندما جاء المحصل ومد يده للنصاب وهو يقول: باقي العشرة جنيهات، صدق الصعيدي وراح يستحلف النصاب أن يقبله شاريا للترماي.. وهو الحلم الذي تحقق فعلا مقابل كل ما كان في حافظته .. وحيد حامد لم يكتف بلوم الضحايا على طمعهم، ولا بتشبيههم بالصعيدي، لكنه عبر عن حسده- أولا- للبوشي على ذكائه، وثانيا لسكان المناطق الفقيرة على فضيلة الحمد التي يملكونها، خلافا لأصحاب الملايين الذين لا يفوتون فرصة لمضاعفة ثرواتهم، حتى لو كانت وهمية. ش