تناولت الأوساط الإعلامية التعديلات الأخيرة على نظام المطبوعات والنشر في السعودية، بقدر كبير من التوجّس، طارحة الكثير من التساؤلات التي تستفسر عن شروحات وملاحق تفصيلية لهذه التعديلات، ولم يفت عددٌ من الكتاب السعوديين تناول هذه التعديلات بقدر من المشاكسة الإعلامية. هذه التساؤلات التي طرحت في الساحة الإعلامية، أجبرت الدكتور عبد العزيز خوجة، وزير الثقافة والإعلام السعودي، على الخروج صباح الأثنين الفائت لاستدراك الأمر وتوضيح اللبس وشرح بعض التعديلات التي طرأت على نظام المطبوعات والنشر. ووفقاً لتعقيب وزير الإعلام السعودي، الذي طرحه موقع «العربية. نت» في تسعة نقاط، فإن خوجة يؤكد أن لا حصانة لأحد وفقاً للتعديلات الجديدة، مشدّداً على أنها ستضبط ما يعرف ب«دعوات الاحتساب غير المنضبطة»، وأشار إلى أن الأمر الملكي الذي جاء بهذه التعديلات، شدّد على أهمية النقد البناء وأهمية التنوع والاختلاف حتى في المسائل الشرعية. وكانت بدرية البشر، الكاتبة في صحيفة الحياة اللندنية، قد طرحت تساؤلات عدة في عمودها اليومي، ابتدأتها بكيفية تحديد نظام المطبوعات والنشر الجديد لبعض العبارات الواردة فيه مثل «عدم نشر ما يضر بالبلاد» أو «ما يخدم مصالح أجنبية». وأضافت البشر في حديثها «كانت الصحافة في كل العالم تتصدر أدواراً، أهمها فضح الفساد الذي لا شك في أنه لا يحدث إلا بتواطؤ رؤوس تمتلك السلطة والمال والنفاذ لدهاليز حكومية، وتحديداً قضائية كما في قضية رئيس لجنة النظر في محكمة مكة، وغيرها من المسلسلات التي شهدناها بأعيننا، وأصبحت قضايا رأي عام، فهل هذا نوع من النشر محظور ومتعلق بالقضاء والمحاكمات التي تستلزم إذناً في مهنة السبق الصحافي والمنافسة عليه؟». إلى ذلك، تعاقب مشاكسا صحيفة «عكاظ»، خالد السليمان وخلف الحربي، خلال عموديهما ليومي الأحد والاثنين، في التعقيب على التعديلات الأخيرة بطريقة لا تخلو من الأسلوب الساخر الذي عُرِف عنهما، حيث مارس السليمان إسقاطاته الشهيرة، حين تحدث الأحد الماضي عن «كمامات الغبار»، واصفاً الغبار بعدوّه الأول الذي يغلق فمه، ويحجب رؤيته، ويعزله عن التواصل مع مجتمعه، فينقطع مداد أحرفه. واختار السليمان في اليوم التالي عبارة «مغلق للتحسينات» عنواناً لمقاله، مشيراً إلى أنه أحصى المناسبات الاحتفالية التي تصلح للكتابة في زاويته إذا ضاقت على أرض الرقيب الرحبة، ويضيف «سأكتب لكم بالتأكيد عن أيام الأم والأب والطفل والأسرة والمعلم وطوابع البريد، وأسابيع الشجرة والبيئة التي تعرفونها جيدا، ولكنني سأفاجئكم بأيام وأسابيع لم تسمعوا بها من قبل، كيوم كوكب الأرض ويوم البطاقات البريدية ويوم التلفاز ويوم التسامح ويوم الضحك العالمي، وكذلك أسبوع الزهور البرية وأسبوع البريد الإلكتروني». ويبدو أن المشكلة التي تواجه السليمان في اختياراته، هي أن المناسبات التي أحصاها لم تتجاوز 126 مناسبة، تصلح ل 126 يوم، الأمر الذي سيضطره إلى إغلاق الزاوية بقية أيّام السنة، وتعليق لوحة «مغلق للتحسينات» على زاويته. في حين فضل خلف الحربي، الحديث عن نانسي عجرم وهيفاء وهبي، حيث خصص مقال الأحد لنانسي، والاثنين لهيفاء، مشيراً في مقاله الأول إلى أن نانسي عجرم هو أفضل موضوع يمكنه الكتابة عنه، ويضيف «إذا كانت نانسي عجرم لا تهمكم، فأنتم غير مضطرين للقراءة، بإمكانكم البحث عن زاوية أخرى يتحدث كاتبها عن القضايا التي تعنيكم». وشبه الحربي في مقالته التالية، هيفاء وهبي بفائض الميزانية، الذي يمنح الشعور بالسعادة دون أن يستفيد منه الناس بشكلٍ فعلي، ويضيف في إسقاطه على الميزانية من خلال هيفاء وهبي «إنها تجعلك قادرا على التصالح مع تناقضاتك وضعفك البشري، فأكثر الناس يدركون أنها مطربة سيئة وأغانيها لا تقدم ولا تؤخر، ولكنهم يتجاوزون كل ذلك من أجل المتع البصرية التي تقدمها لمعجبيها المحرومين». وتجاوزت الأطروحات التي تناولت التعديلات الإعلاميين، حتى وصلت إلى الحقوقين، في الوقت الذي ناشد فيه صالح الخثلان، نائب رئيس جمعية حقوق الإنسان، الملك عبد الله بن عبد العزيز، عبر صحيفة «الحياة»، لإعادة النظر في نظام المطبوعات والنشر، والتعديلات التي طرأت عليه مؤخراً، مشيراً إلى أن هذه القرارات تقيّد حرية التعبير عن الرأي، وسط اتساع هامش الحريّة الذي يشهده العالم كله، مما سينعكس سلباً على سمعة السعودية، وعلى محاربة الفساد في البلاد، وتصحيح الأخطاء والممارسات الخاطئة في كثير من الجهات الحكومية. كما كتب الزميل محمد البكر نائب رئيس تحرير صحيفة (اليوم) مقالا مشابها لما كتبه الحربي والسليمان وحمل (إبليس) مسئولية تحريضه على كتابة ما لا ينبغي الكتابة عنه بعد قرار التعديلات. وكان الأمر الملكي الأخير، قد جاء بعددٍ من التعديلات الجوهرية في نظام المطبوعات والنشر السعودي، من أبرزها تحديد شخصيّات بعينها، ليحظر التعرض لهم، وهم مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو أياً من موظيفها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية. ونصّ الأمر بإيقاف المخالف عن الكتابة في جميع الصحف والمطبوعات، أو المشاركة الإعلامية من خلال القنوات الفضائية، وإغلاق محل المخالفة بشكل مؤقت أو نهائي. في حين استدرك الوزير خوجة، التعديلات التي جاء بها الأمر الملكي، بعدد من التوضيحات، مشيراً إلى أنه مما يحسب للنظام، أنه جعل الدعوى المرفوعة من ذي صفة، وبذلك ألغى دعوات الاحتساب غير المنضبطة والتي هي حق أصيل للدولة فقط، مؤكداً في الوقت ذاته، أن حرية الرأي والتعبير المنضبطة مصونة ومحمية وفق التعديلات الأخيرة، وأنها لم تمنح حصانةً لأحد، ولم تتضمن أي عقوبة سالبة للحرية. وشدّد وزير الإعلام السعودي، أن التعديلات الأخيرة هدفت أن يكون اختلاف الآراء بطريقة راقية ومهذبة، دون منح أي حصانة لأي شخص على الإطلاق متى ما كان الاختلاف مع الفكرة أو العمل دون الإساءة للشخص أو كرامته، وأنه من حق الجميع الاختلاف في الآراء ولكن المرفوض هو الإساءة الشخصية الشخصية أو الاتهام الباطل.