دشنت القيادة السعودية مرحلة جديدة في التعليم في المملكة، من خلال إصدار لائحة الوظائف التعليمية، التي تمنح المعلم الكثير من الحقوق، وتلزمه في المقابل بتطوير الذات باستمرار، وتحديث معارفه، والإسهام في الأنشطة اللاصفية، كما تشجع اللائحة المتميزين والحاصلين على أعلى الشهادات العلمية على البقاء في حقل التعليم، مقابل استبعاد من لم تثبت صلاحيته، ومن لا تتوفر فيه المواصفات الأخلاقية أو الصحية للمساهمة في برنامج التحول الوطني. وتلتزم اللائحة الواقعة في قرابة الستين صفحة بالنهج العلمي ودقة المصطلحات والشفافية، فتقسم الوظائف التعليمية إلى مساعد معلم، ومعلم، ومعلم ممارس، ومعلم متقدم، ومعلم خبير، ووكيل المدرسة، وقائد المدرسة، ومشرف تربوي، وخبير تربوي، وتحدد النصاب التعليمي لكل من يشغل وظيفة تعليمية، والأنشطة الصفية التي يجب على شاغلي هذه الوظيفة، القيام بها. شروط التعيين نصت اللائحة على شروط التعيين على الرتب المختلفة، فقصرت الالتحاق برتبة معلم على الجامعيين، الذين حصلوا على مؤهلهم عن طريق الانتظام، وفرقت في الدرجة بين غير التربوي والتربوي، وبين الحاصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، تحقيقا لمبدأ العدالة والإنصاف، ثم اشترطت أن يبقى الموظف المعين تحت التجربة لمدة سنتين، للتأكد من صلاحيته تبعا لمعايير مهنية، تضعها وزارة التعليم مع وزارة الخدمة المدنية. ومن المؤكد أن وزارة التعليم بقيادة الوزير الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ، ستضع الخطط اللازمة لتوفير الإشراف اللازم على المعلم المعين خلال فترة التجربة هذه، ليكتسب الخبرات اللازمة من زملائه المعلمين الممارسين والمتقدمين والخبراء، مع إعداد الدورات الموجهة لهذه الفئة من المعلمين، الذين يضخون طاقة متجددة من خلال عناصر شابة لقطاع التعليم الذي يحتاج إلى ذلك باستمرار. حصص المعلم والترقية حددت اللائحة النصاب الأسبوعي للمعلم والمعلم الممارس بأربع وعشرين حصة، والمعلم المتقدم باثنتين وعشرين حصة، والمعلم الخبير بثمان عشرة حصة، أما بالنسبة لمعلمي التربية الخاصة، فنصاب المعلم الممارس ثمان عشرة حصة، والمعلم المتقدم ست عشرة حصة، والمعلم الخبير أربع عشرة حصة، ونصت اللائحة على جواز تكليف من يقل نصابه عن الحصص المقررة المذكورة، بإكمال هذا النصاب في أقرب مدرسة داخل المدينة، التي فيها مقر عمله. وألزمت اللائحة من يشغل الوظائف التعليمية بالمشاركة في الأنشطة اللاصفية، كالتخطيط والتصميم والبناء والتقويم للتعليم والتعلم وإدارة برامج وفعاليات الأنشطة اللاصفية، والمشاركة في عمليات التطوير المهني لنفسه ولزملائه، وما يكلف به من أعمال إدارية وتنظيمية داخل المدرسة. ولعل من أهم ما ورد في لائحة الوظائف التعليمية المواد 10 و11و 12 التي تتعلق بالترقية، حيث نصت على أن الترقية من رتبة إلى التي تليها، ليست تلقائية، بعد مرور عدد معين من السنوات، وليست إلزامية، بل استخدمت الفعل (يجوز)، بحيث لا يحصل على تلك الترقية إلا من استحقها، واجتهد للحصول عليها، وقدم من العطاء ما يبرر ذلك. الإبعاد عن مزاولة المهنة إلى جانب عنصر الفترة الزمنية اللازمة للترقي، والتي تقل كلما ارتفعت الدرجة العلمية للمعلم، فإن اللائحة اشترطت عناصر أخرى لا تقل أهمية، وهي الحصول على الرخصة المهنية اللازمة، وأن تتحقق في أدائه النقاط المخصصة للتطوير المهني ونقاط تقويم الممارسات الإبداعية ذات الصلة الوثيقة بطبيعة عمله، ونقاط أثر التدريس على تعلم الطلاب وتحسين مستواهم التحصيلي، وألا يقل تقويم الأداء الوظيفي للسنوات الثلاث الأخيرة عن تقدير (جيد جدا) أو ما يعادله، مع إمكانية الاستثناء من شرط الفترة الزمنية اللازمة للترقيلمن يكون أداؤه متميزا. ونظرا للأهمية البالغة لحقل التعليم على مستقبل المملكة، والتأثير السلبي البالغ الذي يمكن أن ينجم عن وجود أي عناصر لا تتمتع بالصفات والمواصفات المطلوبة لمن يزاول مهنة التعليم، فصلت المواد 13 – 17 من اللائحة الجديدة، المبررات التي تجيز للوزير إبعاد أي من المشمولين باللائحة عن مزاولة مهنة التعليم. وأوضحت اللائحة أنه لا مكان في حقل التعليم لمن يسيئ إلى الدين الإسلامي أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد الصحابة رضي الله عنهم، ومن يتبنى اتجاهات فكرية منحرفة أثناء أداء واجبه التعليمي، بما يؤثر سلبا على الطلاب، أو من يرد به توجيه من رئاسة أمن الدولة في القضايا الأمنية أو الفكرية المتطرفة، ويكون الإبعاد في هذه الحالة فوريا، ومن يمارس الأعمال المنافية لتعاليم الدين الإسلامي، والتي من شأنها الإخلال بعدالته، ومن قام بحيازة المخدرات أو المسكرات أو المواد المحظورة التي تؤثر سلبا على سلامة العقل والبدن، أو تعاطيها أو ترويجها. ونظرا لأن المعلم يظل مثلا أعلى سواء كان ذلك داخل أسوار المدرسة أو خارجها، فإن اللائحة نصت أيضا على استبعاد من ثبت عليه سوء السلوك الأخلاقي بالإيذاء الجسدي أو التحرش الجنسي أو الشذوذ الجنسي داخل العمل أو خارجه، أو استغلال الوظيفة لإقامة علاقات غير شرعية، كما ينطبق الأمر نفسه على من اتصف بعدم النزاهة في القيام بمهمات وظيفته أو الإخلال بأمانة التعليم وعدم الالتزام بميثاقها الذي اعتمدته الوزارة. وحرصا على أهمية الوقت المخصص للتدريس، وحق الطلاب في الحصول على عدد محدد من الساعات لكل وحدة من المنهاج الدراسي، فإن المعلم الذي يتغيب من غير عذر مشروع مدة عشرة أيام متصلة أو عشرين يوما متفرقة خلال العام الدراسي الواحد، أو تجاوزت عدد ساعات تأخره 75 ساعة من غير عذر مشروع خلال فترة العام الدراسي، يبث رسالة سلبية لطلابه، وبالتالي يجري نقله من هذه الوظيفة. ويسري ذلك أيضا على من ثبتت إصابته بمرض نفسي أو عقلي، بناء على تقرير وفقا للائحة التنفيذية للموارد البشرية في الخدمة المدنية، يقرر عدم صلاحيته للعمل في مجال التعليم، أو عند امتناعه عن مراجعة الجهة الطبية المخصصة للتقرير في حالته الصحية بعد مرور شهر من تاريخ تبليغه خطيا بذلك، ولا يمثل ذلك عقابا له على مرضه، بل سعيا لحصوله على العلاج المناسب، بعيدا عن ضغوط العمل التربوي، مع حماية الطلاب من التأثير السلبي لذلك على مسارهم التعليمي. وفصلت اللائحة كيفية التعامل مع الموظف المبعد من مزاولة مهنة التعليم، تبعا للأسباب التي أدت ذلك، مع وضع خيارات عدة، تراعي الأحكام الواردة في نظام تأديب الموظفين، وغيره من الأنظمة، مع جواز إعادة من جرى إبعاده بسبب المرض بعد شفائه –دون غيره من الحالات- إلى ممارسة الوظائف التعليمية المشمولة باللائحة مرة أخرى، أو تولي مهمات قيادية تعليمية. المعلمين أصحاب الخبرة حرصا على احتفاظ قطاع التعليم بأصحاب الخبرة من المعلمين، نصت المادة الثامنة عشرة على عدم جواز تكليف من يشغل الوظائف المشمولة باللائحة، بأعمال غير الأعمال المنصوص عليها فيها، فكانت هذه هي القاعدة، وغير ذلك استثناء يجيز للوزير أو من يفوضه أن يكلف من هو مشمول باللائحة بأعمال بعض الوظائف الإدارية التي تتطلب خبرات تعليمية، على ألا تقل رتبة من يكلف بها عن رتبة (معلم متقدم). وحددت المادة التاسعة عشرة الشروط التي يجري على أساسها اختيار قائد المدرسة ووكيلها، ممن يشغلون رتبة معلم ممارس فأعلى، والمشرف التربوي والخبير التربوي، ممن يشغلون رتبة معلم متقدم أو معلم خبير، مثل تحقق المعايير المهنية والشروط اللازمة، والحد الأدنى من نقاط التكوين المهني، وألا يقل تقوم الأداء الوظيفي المعد عنه للسنتين السابقتين عن تقدير (جيد جدا) أو ما يعادله، واجتياز الاختبارات والتقويمات المختلفة التي تضعها الوزارة لهذا الغرض. وكما سبقت الإشارة فإن الانتقال من مستوى إلى الذي يليه مباشرة في الرتبة نفسها، يرتبط بشروط من بينها ألا يقل تقويم الأداء الوظيفي المعد عنه للسنتين السابقتين عن تقدير (جيد جدا) أو ما يعادله، وكذلك فإن الحصول على العلاوة السنوية لا يتحقق إذا حصل الموظف المشمول باللائحة على تقويم أداء وظيفي بتقدير (مرض) فما دون ذلك في السنة السابقة لاستحقاقه العلاوة السنوية، وإذا لم يحصل على الرخصة المهنية، ولم يجددها خلال الفترة المحددة، وإذا تغيب عن عمله بدون عذر تقبله الجهة مدة أو مددا تزيد عن 15 يوما خلال السنة السابقة لاستحقاقه العلاوة السنوية. ومن المقرر تبعا للمادة 32 من اللائحة، أن تتولي الوزارة تطبيق المعايير المهنية، والالتزام بنتائج الاختبارات الخاصة بالكفاية المهنية للمعلمين، والرخص المهنية الصادرة بذلك من الهيئة، وتحديد عناصر التطوير المهني وتقويم الأداء المهني والممارسات المهنية الإبداعية لشاغلي الوظائف التعليمية، وتحديد أسلوب قياسها وتحقيقها وإجراءاتها وضوابطها، ووضع الضوابط المنظمة لتخفيض النصاب التعليمي أو الإعفاء منه، ووضع الآليات اللازمة لتوثيق الممارسة المهنية الإبداعية لشاغلي الوظائف التعليمية، وإعداد نماذج تقويم الأداء الوظيفي لشاغلي الوظائف التعليمية واعتمادها من وزارة الخدمة المدنية، وإصدار مدونة قواعد السلوك الوظيفي، وأخلاقيات الوظيفية لشاغلي الوظائف التعليمية، بالاتفاق مع الجهات المختصة. عناصر التطور مع الاعتراف بأهمية هذه اللائحة في حد ذاتها، فإنها –كما قال وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ -: “جزء من منظومة التطوير، التي عملت وتعمل وزارة التعليم على إعدادها وتنفيذها، وتشمل العديد من المبادرات والمشروعات الهادفة إلى تطوير قطاع التعليم، بالتركيز على التطوير المهني والشخصي للمعلمين من أجل رفع قدراتهم على التدريس والقيادة، وإعداد رحلة تعلم شخصية للطاقم التعليمي بهدف رفع قدراتهم على التأقلم مع التحويل في التعليم.” وإذا كان المعلم هو الركيزة الأولى في العملية التعليمية، فهناك عناصر أخرى لا تقل أهمية في عملية التحول المنشود، وهي المنهاج التعليمي، والمبنى المدرسي، والأسرة، الجهات والإجراءات العديدة الداعمة للعملية التعليمية، والتي ستضع لها وزارة التعليم، الأسس التي تضمن مواكبتها لمنظومة التطوير، وصولا بالتعليم في المملكة إلى المنافسة على مستوى العالم، لأن الإنسان السعودي يستحق ذلك، ويقدر عليه، وهو ما تسعى رؤية 2030 إلى تحقيقه.