أدبنا العربي يزخرُ بجميل الأشعار التي تحوي الحِكمْ وتصفُ الأخبار منذ بائد الأزمان والى وقتنا الحاضر وإني والله لأحتار عند اختيار الشعر الجميل. فالغالب في الشعر العربي جماله وروعته ودقته في الوصفْ وعمق معانيه، لكن دعوني أختر لكم بعضاً من الأشعار التي تحمل معاني بليغة وفيها من الحكم التي لها دلالة قوية في كل زمان وبالأخص في وقتنا الحاضر لاسيما في تعاملنا اليوم مع من نحب ومع من لا نحب سواء أفراد أو دُول، وكيف ان شعر العرب خصَ بعض المعاني مثل العداوة والشماتة بأشعار فصيحة وسأبدأ لكم بهذا البيت الجميل من أبيات الشعر الذي يأتي في هذا السياق وهو بيت للشاعر أبو الطيب المتنبي ضمن قصيدة قال فيها : وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ فالدنيا بطبيعتها جميلة، لكنها لا تخلو من النكد وإن كان من المفروض ألا يعادي المسلم أخاه المسلم، لكن هذا يحصل في حياتنا وتجد المتعادين لا يرتاحون في الجلوس مع بعضهم في مجلس واحد، فكيف ان يتخذ أحدهما الآخر صديقاً ؟!! فالعداء والصداقة ضدان لا يجتمعان في وقت واحد إلا لضرورة شديدة، لكن قوة شعر المتنبي جمعتهما في بيت واحد فيه من المعنى الكثير. مبيناً إن الضرورة تجمع الأعداء، بل وتجعلهم أصدقاء وهذا ما نراه جلياً بين الدول في تعاملها وسياساتها في زماننا هذا. ومن هذا البيت الجميل ننتقل الى قصيدة قالها الإمام الشافعي - رحمه الله - تجمع حكماً عظيمة وهي من أروع ما قال : دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ وكنْ رجلاً على الأهوالِ جلداً وشيمتكَ السماحة والوفاءُ وإنْ كثرتْ عيوبكَ في البرايا وسَركَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاءُ تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ ولا تر للأعادي قط ذلا فإن شماتة الأعدا بلاء فها هو الإمام الشافعي يَذكرُ الأعداء في قصيدته ويُحذر من ارتكاب ما يسبب شماتة الأعداء الذي يشدد عليه الشاعر المهلبي في البيت التالي: كل المصائبِ قد تمرّ على الفتى فتهون, غيرَ شماتة الأعداءِ ولقد قال الشاعر الأموي عبد الله بن المبارك في شماتة الأعداء هذين البيتين الجميلين: لولا شماتةُ أعداءِ ذوي حسَدٍ أو اغتمامُ صديقٍ كان يرجوني لما طلبتُ من الدنيا مراتبَها ولا بذلتُ لها عرضي ولا ديني ولقد روى البخاري ومسلم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يتعوذ من سوء القضاء ، ومن درك الشقاء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن جهد البلاء. لكن هل شماته الأعداء تقتصر على الأفراد؟ أم انها تشمل الأمم مثل شماتة أمم الكفر في أمة الإسلام ؟؟ أكاد أجزم بانه لن يمر على الأمة العربية أو الإسلامية زمان يمكن ان يشمت فينا الأعداء أكثر من زماننا هذا. فلقد بلغنا من الضعف والمهانة بحيث أصبحنا من أضعف أمم الدنيا يستهان بنا ولا يحسب لنا أي حساب بسبب فرقتنا وتقاتلنا وحبنا للدنيا وتهافتنا عليها وأصبحنا نضحي بالغالي والرخيص في سبيل مُتعٍ زائلة ولا نقيم للوحدة والاعتصام بحبل الله أي وزن، والدليل هو اننا نرى المسلم يقتل في كل مكان ولا نملك إلا ان نُصرِحَ ونستنكرْ ولو كان دم يهودي لرأينا العالم قاطبة يصيحُ ويُولولُ انتصاراً له. وها هم اليهود الاثيوبيون ينقلون جواً الى فلسطينالمحتلة أمام أعيننا، بينما يحرمُ الفلسطيني صاحب الدار من دخول بلده ولا نستطيع عمل شيء لهم، لكن ماذا نملك؟ وماذا نقول اذا كان الفلسطينيون يتناحرون فيما بينهم؟ فهل نلوم غيرنا اذا شمت الأعداء فينا ؟ وصدق الشاعر إذ يقول: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا حال أمتنا العربية يدعو الى الشماتة، ولقد وصف الشاعر مصطفى الجزار حال الأمة في قصيدة، قال فيها : كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة فعيونُ عبلةَ أصبحَتْ مُستعمَرَة لا ترجُ بسمةَ ثغرِها يوماً، فقدْ سقطَت من العِقدِ الثمينِ الجوهرة قبِّلْ سيوفَ الغاصبينَ.. ليصفَحوا واخفِضْ جَنَاحَ الخِزْيِ وارجُ المعذرة ولْتبتلع أبياتَ فخرِكَ صامتاً فالشعرُ في عصرِ القنابلِ.. ثرثرة والسيفُ في وجهِ البنادقِ عاجزٌ فقدَ الهُويّةَ والقُوى والسيطرة فاجمعْ مَفاخِرَكَ القديمةَ كلَّها واجعلْ لها مِن قاعِ صدرِكَ مقبرة يا أمة العرب و يا أمة الإسلام: الى متى هذا الضعف ؟ الى متى هذا التخاذل ؟ والى متى هذا الرقاد ؟ الى متى يستيبح الأعداء حرماتنا ويستبيحون دماءنا ويكيدون لبلداننا؟ الى متى ونحن نقع ضحايا لمكرهم فتدب العداوة بيننا ونخرب بيوتنا بأيدينا وبأيدي الأعداء. السبيل الى النصر جلي وواضح ولا يختلف عليه اثنان، فلقد قال الله - عز وجل - في كتابه الكريم : « إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم «، لكن اين نحن من نصرة الله لنا وهذا حالنا؟!! تويتر - @IssamAlkhursany