لا تحتاج إلى أن تكون سورياليا حالما حتى تتخيل أن النهر (ظمآن والكأس في يديه) فالظمأ لا يرتبط بالعطش إلى الماء فقط.. إذ من معانيه الاشتياق.. يقال ظمئ إليه أي اشتاق إليه. فالنهر الذي يجري في صحراء ينكر نفسه ويسأل تدفقه: أين الشجر؟ أين تغريد الطيور؟ أين أنا؟ لأنه يشعر بدون ذلك أنه مجرد حجر سائل ويتذكر تلك المقولة السوداء: (المياه كلها بلون الغرق). الظمأ باق حتى يحقق الانسان ذاته ولكن كيف يستطيع تحقيقها؟ هذا هو السؤال الشائك. إنه كلما اقتنص كأسا تروي ظمأ أمانيه امتد أمامه صف من الكؤوس.. هل نصدق من قال: الإنسان يمشي وأمامه هاوية. إن كثيرا من البشر ظمأى.. بل إن كلا منهم ظامئ إلى شيء مختلف عن الآخر: فهذا ظمآن إلى الحب وذاك ظمآن إلى مزيد من الحقد حتى قتل من لا يعرفهم في الشارع.. أما ذاك الشاعر المسكين فهو يبصر الجمر على يديه ولكنه لا يستطيع إزالته عنهما، ذلك لأن كثيرا من الخناجر تحدق في خاصرته. إن العالم العربي كله (ظمآن والكأس في يديه) ذلك لأن كأسه مليئة بالسراب.. بالأمنيات الصامتة. والهزال هو الآخر من معاني الظمأ.. فهل العالم العربي في منأى عن الهزال؟ كلا. الهزال يحيط به من كل جانب: فثروته ناضبة وهو مهدد في أمنه الغذائي والمائي. الظمأ عقدة وجودية تمتد من عشق الحياة والظمأ إلى كل ما فيها من بهجة وخير وإشراق إلى كره الموت ولبس الدروع ضده.. بل زيادة اختراعها كلما تقدم العلم. الظمأ باق حتى يحقق الانسان ذاته ولكن كيف يستطيع تحقيقها؟ هذا هو السؤال الشائك. إنه كلما اقتنص كأسا تروي ظمأ أمانيه امتد أمامه صف من الكؤوس.. هل نصدق من قال: الإنسان يمشي وأمامه هاوية. لك الحق في أن تشك في هذه المقولة.. بل أن تمزقها ولكن هناك ما لا تستطيع أن تشك فيه وهو أن كل إنسان يمشي والظمأ من خلفه.