في إحدى حلقات برنامج "إضاءات" الذي يقدّمه الأستاذ تركي الدخيل تمّت استضافة الأستاذ عبدالله الصيخان الذي تحدّث عن تجربة الأمير بدر بن عبدالمحسن في تأثيره عليه، وعلى الشعراء الحداثيين.. سواءً شعراء فصحى أم نبطيون ! وتعدّ هذه شهادة من شاعر فصيح بتأثير الشعر النبطي عليه، ويمكن أن نعدّ شهادته من أهمّيتها بمكان إذ إن الصيخان يعدّ من أهم شعراء الحداثة العرب الذين برزوا في الثمانينسات الميلادية، كما نلاحظ عدداً من قصائده تحوي ألفاظاً شعبية استشهد بها عدد من أصحاب الرسالات العلمية اطلعت عليها بنفسي، حيث وضعت ضمن عناوين تتحدث عن توظيف اللفظ الشعبي في النص، ومن ذلك قصيدته التي تحدّث فيها عن ظمئه العاطفي تجاه الصحراء حيث قال فيها: قهوة مرّة وصهيل جياد مسومة، والمحاميس في ظاهر الخيمة العربية .. راكة في الرمال وفي البال، كيف المطاريش إن زهّبوا للرواح مطيّ السفر؟ وكيف هي الأرض قبل المطر؟! كما يتجلى الظمأ العاطفي لدى غيره من شعراء الفصحى المتعلّقين بالصحراء . في حلقة أخرى من حلقات "إضاءات" استضيف فيها البدر (و1949م) ذكر بأنه أحياناً تبدأ لديه فكرة قصيدة ترد في خاطره قد تبدو غريبة عليه، فيكتبها حتى تنتهي فتزول غرابتها، وهذا قول أوضح فيه ما يرد من الظمأ العاطفي لدى الشعراء ككل، ولعلنا ندرك ذلك إذا ما قرأنا نصّه "ظماي أنت" : ظماي أنت.. ومن يعشق ظماه غيري جروحي أنت .. ومن يكره دواه اسقني لو ما ارتويت .. داوني لو ما شكيت ما هقيت إني أعطش.. في حياتي لغيرك أنت حتى قال: يا اللي يسبقني زماني .. من عطش .. ليلي ونهاري عطني موعد .. وانسى موعد بس لا تهجر وتبعد يا ظما قلبي لقلبي .. وغربة عيوني عن عيوني وينك أنت؟! يا ترى اللية في صدري .. لا في جفني .. لا في الشعور اللي خطفني آه لو تدري بشوقي يا ظما الدنيا بعروقي ..! وللبدر نصوص أخرى يؤكد على ظمأه العاطفي ، ومن إحدى قصائده قال: ظامي هوى وشربت من فيض همّي ويوم ارتوت روحي من الدمع صدّرت ! الأمير بدر بن عبدالمحسن ومن صور الظمأ العاطفي الذي بدى به ألشاعر الحداثي الشعبي عبدالله عبدالوهاب نعمان (1917-1982م) رحمه الله ، يتجلّى ذلك في قصيدته الشهيرة "مدارب السيل" : مدارب السيل قولي وامدارب لما لا يقدر السيل أن يروي القلوب الظما مهما مسيلك سال دافق .. من صدور ضاحات الجبال ارتمى مكانني ظمآن .. شق الظما قلبي واشعل في عروقي الدما والشوق لا يطفيه شلال ما !! والحب لا يرويه ماء السما ! واغاديه فوق الربا والهضاب سحاب نفسي ظامئة واسحاب وانتِ تروي من سيولك شعاب وأنا معهن استقي إنما مكانني ظمآن ... أقاسم الطير في الأوكار ضوء البكور واشرب كؤوسي من الأصباح إشعاع نور والفّ بالأنداء روحي وكم كم نمت في حضن الغمام إنما مكانني ظمآن ... خمايل الورد كم يا ورد كم يا ندى أعطيت قلبي ولكن ما ارتوى لي صدى ما زلت أنا عطشان ظامي وقد شربت حتى الظل لكنما مكانني ظمآن ... والظمأ العاطفي يتكرر في عديد من قصائد إذ يقول "الفضول" : وحيث مرّ الغيث والسيل سال إذا رآني الورد قال لي تعال خذ لك ندى عندي وخذ لك ظلال يكفي ظما خلي الظما للرمال ومن شعراء الحداثة الذين أضناهم الظمأ العاطفي هو فائق عبدالجليل (1948-2006م) رحمه الله : طاف السحاب ومن الظما جف الغصن وطال بي هذا الشجن .. جذعي على رمل السراب وحظي من أيامي الزمن وصار السحاب يخون حتى قال: ياحرفي المجنون حتى الحروف تخون !! هذا الظما .. وأحلام وردية تعبت تلهث ورا وعد السما حتى قوله: اللي غدى طبع البشر؟ وإلا السحاب .. اللي حبس عني المطر؟ طاف وتركني للحزن جذعي على رمل السراب وحظي من أيامي الزمن ومن الظما جف الغصن ! عبدالله نعمان كما يأتي تعبيره عن ظمئه بصورة أخرى حيث يذكر لفظ "العطش" بدلاً من الظمأ كما ذكر البدر في نصه الذي استشهدنا به ، ومن صور الظمأ عند فائق عبدالجليل : عطشان .. اسمع يا نهر عمر الصحاري والجفاف عمري أنا ما مر على عمري مطر عطشان لدموع الشتا .. كما يورد في نصّه الشهير "وهم" : أجي ملهوف عطش .. تحت المطر ملهوف وقتي يطوف .. لوني ضايع ومخطوف ! والظمأ العاطفي يأتي على صور كثيرة ، فمنها الظمأ إلى الحبيب والأرض والدين عند شعراء الفصيح والنبط. محمد العرفج