تلعب العوامل الجيوسياسية والكوارث المناخية في مناطق انتاج النفط وطرق الإمدادات دورا ملحوظا في ارتفاع سعر النفط وتذبذب مستوياته، ويبلغ تأثير هذه العوامل طبقا لجغرافية الحدث واتساعه وطول مدته. وتهتم الدول الصناعية المستوردة للنفط باستقرار مناطق انتاج النفط وتأمين طرق الإمداد لأهمية النفط كمصدر رئيس للطاقة وكونه عصب الحياة المعاصرة. وتحوطا تحتفظ هذه الدول بمخزون استراتيجي من النفط لاستخدامه في الحالات الطارئة والأزمات المفاجئة وكما يوفر لها الآلية للمحافظة على استقرار اسعار النفظ عند مستويات مقبولة لها. وتحتل منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص منطقة الخليج العربي، مكانا استراتيجيا مهما كمنتج ومصدر رئيس للنفط والغاز. ولطالما شهدت هذه المنطقة أحداثا سياسية عديدة أوجدت أزمات نفطية عالمية كان لها التأثير الشديد في اقتصاديات الدول الصناعية والنامية المستوردة للنفط. لا شك في ان إغلاق قناة السويس ( 1956) وحظر تصدير النفط العربي ( 1973 ) والثورة الإيرانية ( 1979) وثلاث حروب خليجية ما بين 1980- 2003 كانت أحداثا كبيرة وعلامات بارزة في تاريخ الأزمات النفطية العالمية. من المتوقع ان ترتفع أسعار النفط بشكل سريع أو مفاجئ عند حصول اضطرابات أو توترات سياسية ( أحداث الشرق الأوسط) أو مناخية ( إعصار كاترينا) في مناطق انتاج النفط أو في طرق إمدادات النفط البحرية، وعادة تكون آثار هذه الظروف الجيوسياسية مرتبطة بعمق واتساع ومدة المشكلة، إلا انه في الغالب تكون ظروف طارئة ومؤقتة وسرعان ما تعود الأسعار لمستوياتها الطبيعية أو يقل تأثيرها بعد زوال الأسباب، إلا ان المتعاملين في تجارة النفط غالبا يلجأون ل لمبالغة في التخوف من المخاطر السياسية وتقدير علاوة مخاطر غير مبررة، وكما تنشط المضاربات في حالة يسودها التوتر والضبابية وعدم اليقين ما يضغط على الزيادة في ارتفاع الأسعار. نعرف ان منطقة الشرق الأوسط كانت ولاتزال عرضة للتوترات والاضطرابات السياسية ذات الانعكاسات النفطية، من أزمة الوقود النووي في ايران وحظر صادرات نفطها، للقلاقل في العراق، لأحداث الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس. وها نحن الآن نواجه أزمة احتمالية وقوع الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا في وقت يتقارب وبشكل شبه مؤكد. من المعلوم ان سوريا بلد نفطي صغير لا يكاد يذكر، حيث ينتج ما قبل الأزمة حوالي 370 ألف برميل يوميا يصدر منها أقل من 150 ألف برميل يذهب معظمها لأوربا. أما بعد الأزمة فتقلص الانتاج الى 50 ألف برميل لا تكفي للاستهلاك المحلي. ورغم ذلك ارتفعت أسعار النفط نتيجة لضبابية الموقف بشأن حجم ومدة الضربه العسكريه ونطاقها. إثر الإعلان عن احتمالية توجيه الضربة سجل مزيج برنت أعلى مستوى له في ستة أشهر . ففي يوم 28 من شهر أغسطس ارتفع بأكثر من 5بالمائة. وتزداد المخاوف من ان تمتد انعكاسات الضربة لخارج الحدود السورية لتشمل مناطق انتاج النفط فتؤدي الى ارتفاعات كبيرة وغير مسبوقة، حيث يتوقع المحللون ان يصل ارتفاع الأسعار الى ما بين 130-150 دولارا للبرميل، وقد تصل الأسعار الى 200 دولار إذا امتدت الأزمة الى دول الخليج العربي. وما يزيد الأمر تخوفا وقلقا تزامن وقت الضربة مع بقاء الطلب العالمي على النفط مرتفعا في وقت تتقلص فيه الصادرات النفطية في ليبيا والعراق وإيران بما يزيد على 3.5 مليون برميل يوميا. حالة عدم التوازن بين العرض والطلب كعامل أساس مع التزامن مع التأثير الجيوسياسي ستوجد وضعا صعبا وقلقا، قد يخفف حدته وجود طاقة فائضة لدى دول محدودة أبرزها المملكة العربية السعودية التي بإمكانها إنقاذ الوضع بعض الشيء ولمدة محدودة.