كُلنا شركاء في هذا العار .. لعل هذه الصرخة لمسؤول الإغاثة الدولي في الأممالمتحدة عن الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري تحت حرب نازية اقليمية ارهابية لم يسبق لها مثيل تُلخص حقيقة الموقف من أطراف عديدة دولية واقليمية تجاه تطورات الوضع المفجع ، الذي اختتم مؤخراً بشهادة العصر في مذبحة الغوطة بالسلاح الكيماوي التي حصدت 1500 من الشهداء غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال ، لقد جاءت هذه المذبحة في لحظة مفصل تاريخية واضح أن النظام كان يرصدها لتوجيه ضربة عنف ارهابية في جسد المدنيين فاختار لحظة تطورات الأوضاع في مصر وما شهدته من مواجهات انشغل بها العالم، ورأى النظام أنّه توقيت يعطي جرعات تبرير أو تمرير لجرائمه فأطلق أسلحته الكيماوية تحصد هذه الوجبة من الضحايا ، حيث لا رقيب ولا حسيب يسأل فضلاً عن من يردع. غير أن المشهد مرّ بعدة انعطافات وتطورات عديدة منها زيادة الزخم الإيراني الروسي غير المسبوق والمعلن بكل وضوح للآلة العسكرية للنظام وسط رهان يتصاعد على أن هذا المحور يُراهن على حسم قريب له ، وتزامن ذلك مع تصعيد حزب ايران اللبناني في داخل لبنان وفي سوريا وتعزيز انخراطه لكنه هناك في الداخل اللبناني أضحى يتقدم لمواقع تماس حاسمة بعد تجميد الدولة اللبنانية وانحياز الجيش ضد السنة ، ليكون الحزب مظلة كاملة على الأرض اللبنانية يُحكم فيها هيمنته الفعلية والرمزية معاً وتتحول الجمهورية ذات السياق الطائفي المتعدد الى بطاقة بالكامل في يد الحزب وإيران ، ومن هنا تفهم تفجيرات طرابلس التي استهدفت المعقل السني الثاني بعد تصفية الأول في صيدا . يقابل هذه التطورات المهمة على الساحة الاقليمية التراجع الكامل عن أي وعود لدعم تسليح الثورة السورية من اطراف عربية ، والارتباك الذي ساد في الائتلاف الوطني السوري والاستياء الشعبي في الداخل والخارج من تصريح الشيخ أحمد الجربا رئيس الائتلاف الجديد عن النية والدعوة إلى تشكيل جيش وطني سوري ينافس الجيش السوري الحر ، بقيادة مناف طلاس وهو الشخصية العسكرية المنشقة عن النظام من خارج ألوية الثورة وقيادتها العسكرية التي انخرطت في الثورة ، ورغم أن الشيخ الجربا سحب مقترحه سريعا وعدّل التصريح إلا أنه أبقى الباب مفتوحاً لمتطلبات المشروع الدولي ومفاوضاته مع روسيا حول هذا التوافق ، وهو الأمر الذي انتهى برفض روسي لأي تنازل. غير أن المشهد الدولي والاقليمي معاً لا يزالان في مواجهة واقع قوة فصائل الثورة الميدانية وخاصة الجيش السوري الحر ، وهو ما يعني من خلاصة كل المحاولات الأخيرة أن تخطّي الثورة السورية وممثليها السياسيين في المجلس الوطني السوري والتنسيقيات غير ممكن عملياً رغم الاستنزاف الضخم من ضحايا هذا الشعب ، الا أن التسوية على حساب مشروعه الوطني الذي ثار من أجله غير قادر على التنفيذ لجيوستراتيجية المعركة وميدانها ولكون تركيا الحاضن لعمق الثورة لن تتقدم بأي مبادرة حصار للثورة السورية وانما ستكون شريكا في مشروع الانقاذ السياسي الذي يقوم على دعم الثورة وتقدمها العسكري. وفي ذلك كله تحتاج الثورة السورية إلى إعادة صياغة الميدان بذات قواتها الرئيسية في الجيش السوري الحر وحركة احرار الشام الاسلامية وغيرها من الفصائل الإسلامية والوطنية ، وتعزيز ما يطلق عليه في التاريخ القوة المركزية لكل ثورة والتي سيبقى الجيش السوري الحر بقيادة المجلس العسكري في حلب وأشقائهم هو بوابة اعادة تعزيز صمود وتفوق الميدان الثوري الذي سيبقى هو بيدر الحسم ، وما يجب أن تعيه كل مصادر التبرعات الشعبية المخلصة للثورة السورية ، أن كل تشطير لهذه التبرعات لتعزيز وجود ميداني خارج قوة الثورة السورية المركزية لن يُعجل بالنصر حتى مع تحقيق عمليات نوعية لبعض الفصائل ذات الأهداف الأممية ، فإنها لن تساهم في جدولة حرب التحرير نحو الهدف المركزي الكبير الذي ضحى من أجله الشعب والذي تستطيع القوة المركزية للثورة العبور به ووقف نزف الدماء بأكثر الطرق فاعلية وحكمة سياسية تعبر بين أعداء وأصدقاء يتأرجحون بين التأييد الصوتي والخصومة للربيع السوري .