منذ زمن بعيد بقدم مؤتمرات الأدباء السعوديين والمطلب بإنشاء صندوق مدعوم من وزارة الثقافة، أو حتى مدعوم من رجال الأعمال، لإغاثة مثقف معسر هنا، أو علاج أديب مريض هناك، لا يزال هذا الصندوق حلمًا تنطوي الأعوام وتزداد الحاجة إليه، ويلح عليه المثقفون متستشهدين بحالات إنسانية يلازم تذكّرها الخجل والمرارة من أن تكون قد وقعت بالفعل، ولا تزال تحدث لأسماء ثقافية هي في هرم الثقافة السعودية!! • مثقف متسوّل يقول الشاعر إبراهيم زولي: هذا واجب أن تقوم به وزارة الثقافة والإعلام حتى لا يصبح المثقف المبدع يمر بحالة من التسول لا تليق بدوره القيّم والمهم في المجتمع، فنحن لدينا كتاب ومثقفين مبدعين كبار للأسف وصلوا لمرحلة بدت مهينة حينما احتاجوا للرّعاية الصحية والحياتية ونحن ولله الحمد نعيش في بلد كله خيرات وأعتقد أننا نستطيع فيه أن نخصص صندوقًا يقوم برعاية المثقف ويلبي احتياجاته. ويضيف: لدينا نماذج كان فيها المثقف يتسوّل العلاج ويتسول طعام عياله ودفع إيجار مسكنه، وليس ببعيدة عنا تجربة الشاعر الراحل محمد الثبيتي حينما كان بمرضه بحاجة ماسه للمال لدفع إيجار سكنه. ولدينا نماذج كثيرة عاشت وضعًا قريب من الشاعر محمد الثبيتي لا نستطع ذكرها، ومن هنا نحن نناشد وزارة الثقافة والإعلام أن تقوم بدورها في حماية المثقف والمبدع في المملكة العربية السعودية، كونه يساهم في كل ما فيه رفعه في هذا الوطن المليء بالخيرات لأنه من الصعب أن تقف وزارة الثقافة والإعلام مكتوفة الأيدي. •لم يعد سرًا الناقد الدكتور حسن النعمي يقول إنّ هذه القضية مطروحة منذ زمان في مؤتمر الأدباء حيث طولب بإنشاء صندوق لدعم الأدباء والمثقفين في حالة الحاجة. ولكنها تكون مجرد توصية في كل مؤتمر وتتلوها توصية دون أن ترى النور برغم أنه مطلب إنساني والدولة ولله الحمد قادره على إنشاء مثل هذا الصندوق. ويضيف: لا أعلم ما البيروقراطية التي تمنع أن يتحقق ذلك ونحن نعرف أن هذا الصندوق هو مشروع إنساني بحت، وأنا هنا أرى أن الجهة المسئولة بأن تطالب بإنشاء مثل هذا الصندوق هي وزارة الثقافة والإعلام كونها هي الجهة المنوط بها خدمة العمل الثقافي لهذا هي المسئولة عن إنشاء هذا الصندوق سواءً كان هذا الصندوق بدعم حكومي أو بدعم من القطاع الخاص ويكون هناك تنظيم ولائحة لصرف هذه المبالغ تحت جهات معينة، ويجب التأكيد هنا أن المطالبة بمثل هذا الصندوق لم تصبح سرًا، بل كانت هناك مطالبة من جهة الكثير من المثقفين والكتاب، لهذا يجب على وزارة الثقافة والإعلام أن تقوم بدورها لإحياء فكرة إنشاء هذا الصندوق ونراه واقعا قريبًا بإذن الله. •طال الانتظار وترى الشاعرة أمل ساعاتي أن مثل هذا الصندوق الخاص بدعم المثقفين والمثقفات في حال الحاجة الماسة بات أمرًا ملحًا لنا، وهو صندوق أرى أنه تأخر كثيرًا كون المطالبة به قديمة وليست حديثة، فالمبدع الذي نذر نفسه للعمل الإبداعي قد يمر لا سمح الله بوعكة صحية تتطلب مبلغًا ليس بحوزته أو ضائقة مادية يكون فيه مفتقدًا لأساسيات العيش الكريم، فحتى لا يتسول من يقضي حاجته يكون هناك صندوق داعم للحالات الخاصة لبعض المبدعين والمبدعات كون هذا المبدع يقدم الكثير في سبيل رقي مجتمعه والوصول به إلى مصاف المجتمعات المتقدمة. وتضيف: هذه خدمة من الضروري أن يقدمها المجتمع لمن يساهمون في سبيل الوصول بالوطن إلى مراتب متقدمة ومشرفة، ومن هنا ومن جريدة اليوم أتقدم بندائي إلى المسئول في وزارة الثقافة والإعلام لأقول له طال الانتظار وأرى من الضروري الإسراع في تأسيس مثل هذا الصندوق. •قيمة الثقافة ويرى الناقد محمد البشير أنّ قضية المثقف وحقوقه مرتبطة بقيمة الثقافة، فمتى ما كانت قيمة الثقافة رفيعة عند أمة من الأمم، ارتفعت قيمة المثقف، وعندها لن يكون بحاجة على الإطلاق إلى استجداء، وذلك يعود إلى ما يمتلك من حقوق نظير ما يقدمه. ويضيف: فحين نجد الأديب في الدول المتقدمة متفرغًا بقرار حكومي، أو برعاية دار تجارية تعرف قيمة ما يكتب، وتقدم له ضمانات لحقوقه مدى الحياة، ولا أدل من أنموذج بين ظهرانينا وهو أحمد أبو دهمان حين حصل من فرنسا على تأمين صحي ومخصص شهري نظير تقديمه روايته الوحيدة (الحزام) باللغة الفرنسية، بينما يقترب الأديب عندنا من القبر لا يمتلك من حطام الدنيا سوى حرفه. ويشير البشير إلى جهة الحلّ قائلًا: إن كان من أمل نرجوه؛ يظل متعلقًا بإعلاء قيمة الثقافة، وقيمة الكتاب، فحين نجد جيلًا يقرأ، عندها سيأتي كل شيء طواعية، سيكون للمثقف والأديب قيمة تعلو بعلو أسهم الثقافة في الوطن، فمتى ما سمعنا بمبيعات للكتب تقفز وتحاول ما تحققه الكتب في الغرب كرواية (شيفرة ديفنشي) التي بيع منها 80 مليون نسخة حتى عام2009م، وتحولت إلى وسائل أخرى مثل تمثيلها سينمائيًا بميزانية قدرها 125 مليون دولار، وإيرادات بلغت ما يقارب 759 مليون دولار في نفس العام! عندها سيصل المثقف إلى مرحلة تحصيل الاستحقاق لا الاستجداء. •معايير الكاتب عماد بوخمسين قال: إن طبيعة من يعمل في مجال إنتاج الثقافة في أي مجتمع هي الشعور بالاعتزاز بنفسه وانتظار التقدير من مجتمعه، و هذا هو أقل العزاء لمن يتخذ التأليف والكتابة كمصدر للرزق، فهذه المهنة لوحدها كما يعلم الجميع، قد لا تكون كفيلة بتوفير حالة من الاستقرار المادي للمؤلف. ويلفت بوخمسين إلى «أهمية أن يشمل نظام التكافل الاجتماعي فئة الكتاب والأدباء كما يشمل المهن الأخرى. وإنشاء صندوق للمثقف هو أحد الطرق المطروحة منذ زمن حول ذلك». ويضيف: قد يكون هذا الصندوق من أجل الحالات الإنسانية فقط أو قد يكون شبيهًا بنظام التقاعد. والقصد منه في النهاية هو توفير حالة من الاطمئنان والشعور بالأمان لدى من يمارسون العمل الثقافي أمام نكبات الزمان. ويختم بوخمسين قائلًا: تأتي الإشكالية الكبرى برأيي في تحديد من «المثقف» الذي يجب أن يشمله مثل هذا النظام، وما المعايير التي ستطبقها الجهات المعنية لاعتماده في حال أنشئ مثل هذا الصندوق؟ •عاصفة التوصيات ويقول الشاعر جاسم عساكر أن مفردات مثل «مؤتمر أدباء.. مؤتمر مثقفين.. نتائج.. توصيات.. متطلبات.. لوائح..» هي مفردات تكاد تكون أشبه بالرياح الموسمية التي تعصف بالمشهد كل عام أو عامين، ثم ما تلبث أن تهدأ تلك العواصف دون تغيير في جوهر المشهد الثقافي، عدا في دعوة النخب المثقفة كحالة برستيجية ينتج عنها تقديم بعض الأوراق التي لا ننكر جدواها كحالة آنية لا كحالة تواكب الزمن الأطول. وبالتأكيد ليس هذا هو ما يحتاجه المثقف كي يكون ذا جدوى وفاعلية في إنتاجه وعطائه. ويؤكد عساكر أنّ «تطلعات الجمهور لنتاج المثقف تكاد تنحسر نظرًا لما يعانيه المثقف من تراكمات حياتية إزاء إبداعه، إذ إلى الآن لا يزال بعض المثقفين في معاناة مستمرة كي يحصل على إجازة ثقافية لمدة (يومين) لتقديم ندوة أو أمسية خارج منطقته على الرغم من الأمر السامي الكريم. كلما تذكرت حالة الشاعر محمد الثبيتي وهو من هو في أدبه واسمه المتمدد على خارطة الوطن العربي كأحد أهم الشعراء في العصر الحاضر، وكيف تم إجلاؤه من المستشفى لأنه لا يملك ثمن العلاج وكيف كان يدفعه أحد أبنائه على كرسي متحرك وهو في إغماءة تامة كي ينهي إجراءات خروجه دون توصية عليه، بكيت المشهد بأكمله متمثلًا فيه. وكلما رميت ببصري ناحية الرياضة والرياضيين ووجدت ما يتمتعون به -هنيئًا مريئًا- من دعم وتشجيع وحفاوة فرحتُ فرحًا لم يكتمل بالنظر إلى تعاسة المثقف دعمًا ماديًا وإعلاميًا وعدم تفريغ مما يقلل كثافة فاعليته وعدم تجديده في الأنشطة. ويختم عساكر قائلًا: مع شكرنا الوافر لما تقدمه المؤسسة من دعم على أصعدة أخرى.. فإننا ما زلنا نحلم في توفير الأجواء المناسبة والمناخ الملائم أمام المثقف من أجل صياغة مشروعه وبالتأكيد لا يعني هذا الحلم أننا نعطي شرعية للمبدع كي يتوقف عن صياغة الإنجاز.. فعليه هو الآخر واجب لازم في عنقه لأن الإبداع (لا يوزع مجانًا ولا يباع).