يبقى صندوق الأدباء أو المثقفين ضرورة ملحة في ضوء الأزمات التي تعصف بالمثقفين، سواء الصحية أم المالية، ويتذكر الأدباء والكُتَّاب ما حدث للشاعر الكبير محمد الثبيتي في أواخر حياته وقبله الشاعر عبدالله باهثيم وغيرهما الكثير، مثل ذلك الشاعر الذي بادر الكاتب خالد قماش قبل مدة قصيرة ودعا المثقفين للتبرع له لأنه مهدد بالسجن بسبب دين لا يتجاوز ال20 ألف ريال. إذاً كيف يمكن الضغط على المؤسسات الثقافية الرسمية؟ يتساءل مثقفون «ونعني هنا وزارة الثقافة والإعلام لتبادر بتدشين هذا الصندوق وإنقاذ الأدباء والمثقفين من ذل السؤال وقسوة الحاجة». وقال الفنان التشكيلي أحمد فلمبان ل«الحياة»: «لقد كتبت في هذا الموضوع أكثر من أربع مقالات نشرت في الصحف السعودية قبل أكثر من ثلاثين عاماً، طالبت فيها بإيجاد صندوق للفنانين والمثقفين ولكن لا حياة لمن تنادي، ومن وجهة نظري ألا نضع الثقل على وزارة الثقافة والإعلام وحدها. وفي رأيي هذا الموضوع هو مسؤولية الجميع وهو عمل جماعي من مبدأ التكافل الاجتماعي. إنشاء صندوق للمثقفين هو مطلب ملح ومهم جداً لإنقاذ الأدباء والمثقفين والفنانين من ذل السؤال وقسوة الحاجة». وأشار فلمبان إلى أسماء ممن عانوا ولا زالوا يعانون مثل الفنان غازي علي، تواب عبيد، سراج عمر، علي باعشن وغيرهم، ويقول: «وأنا أتحدث من الجانب الذي أنتمي إليه وهو الفن التشكيلي، فأنا اقترح استقطاع نسبة 10 في المئة لمصلحة الصندوق من بيع اللوحات في كل معرض شخصي أو جماعي، وفرض رسوم سنوية على الصالات الخاصة التي تجني من وراء الفعاليات والمعارض الفنية التي تقيمها وتنظمها ملايين الريالات سنوياً، والمستفيد الرئيس من هذا الدخل مديرو الصالات وكفلاؤهم، بينما الفنان السعودي المسكين يعيش على الإيجار وليس له عائد ثابت أو تأمين صحي يحميه، فالتكافل الاجتماعي ديدننا جميعاً قبل فننا، وتعاون الجميع من أهم العوامل الرئيسة لقيام هذا الصندوق والتبرعات واستقطاع الرسوم من أهم الموارد الثابتة له، ولا شك في أن دعم وزارة الثقافة والإعلام عامل مهم لمنحه الشرعية والإشراف عليه ووضع الضوابط والمعايير وسن القوانين والتعاميم الرسمية للجهات المعنية». وأكد الكاتب المسرحي فهد رده الحارثي أن مشكلة وزارة الثقافة والإعلام «أنها لا تتبنى مشاريع ولا تبادر إلى ذلك وبالتالي لاشيء جديد، مطالبات قديمة قدم المثقف والأديب والفنان ولا مجيب، أعتقد بأن الوزارة لو جمعت ما كتب من مطالبات حول هذا الموضوع لأخرجت لنا موسوعة هائلة قد تكون معيناً مفيداً لأجيال قد تأتي من بعدنا تعيد نفس المطالبات، ليست حالة من اليأس أشخصها بل هي واقع حال وكلنا رأينا نماذج كثيرة حل بها من نوائب الدهر ما حل دون أن يكون لها معين بعد الله». وتساءل الحارثي: «ماذا نصنع؟ هل نعيد المطالبات التي مللنا من الحديث عنها؟ وقال: لا أجد ما يمنع ذلك فما ضاع للناس حق وخلفه من يطالب به، وعلى الأدباء أن يطرحوا ذلك في مؤتمرهم المقبل حتى ولو لم يكن مطروحاً في جدول الأعمال، وعلى الأندية الأدبية أن تبادر في عمل المشاريع الصغيرة لدعم هذا المشروع الوطني العام، والذي ما زال معلقاً في هواء الكلمات والمقالات والمطالبات». وقال الكاتب والإعلامي عبدالله السميح إن صندوق الأدباء، «أمنية طاعنة في التجاهل والنسيان». وأضاف قائلاً: «طاعنة في التجاهل لأن المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام مشغولون بالمهمات البيروقراطية ومثقلون بأعباء الإعلام وهمومه وهم مفتونون من جهةٍ أخرى بالحضور الإعلامي، فأصبحت شهرتهم تتجاوز أي مبدعٍ أو أديب. فكرة صندوق الأدباء طاعنة في النسيان لأن الكتاب مشغولون عن القضايا الكبرى بالقضايا العابرة والنفعية، مما يجعل الكاتب لا يمتلك أمام مسؤول الوزارة إلا أن يؤدي فروض الولاء والطاعة والنيل من زملائه ليجد له موطئ قدمٍ في المشاركات والمهرجانات الداخلية والخارجية، الأمر الذي جعل فئة من الفئات التي تتقرب زلفى إلى المسؤول تصبح قاسماً مشتركاً في كل المهرجانات. ومثل هذه القضايا الضاربة في الصغر والصغار، تجعل المسؤول ينظر بعين الازدراء لزمر الاستعطاء، وما دام الصوت الثقافي على هذا المستوى من التشظي والخفوت، فالمسؤول غير مستعد لجمع المشتتين». ولفت السميح إلى أن قضية صندوق الأدباء «كانت فاتحة البيان الختامي المدوي لملتقى المثقفين الأول، وأذكر كيف هللنا حينما تلا البيان محمد نصرالله، وها قد مرت ثمان سمان والفكرة تعمه في أقبية النسيان، وحتى لا أكون متشائماً أقول إنها لن ترى النور والكتاب على الحال التي ذكرت». وأكد الكاتب والأديب فهد الخليوي قدم المطالب نفسها، إذ قال: «المطالبة بإيجاد صندوق خيري لمصلحة الأدباء والمثقفين هي مطالبة قديمة تتجدد كلما تعرض أديب أو مثقف لضائقة مادية أو صحية، ولا زالت هذه المطالبة المشروعة للأسف قيد التجاهل و«التطنيش» من طرف المؤسسات الثقافية في بلادنا وعلى رأسها وزارة الثقافة والإعلام!». وأضاف أن الأديب أو المثقف «هو منتج للإبداع والفكر الإنساني، وفي الدول المتقدمة توجد اتحادات وروابط ونقابات تؤمّن صناديق دعم مهمتها تقديم الإعانات المادية والصحية والسكنية للمحتاجين من مثقفيها ومبدعيها، ولا تتركهم ضحايا للمرض والعوز والتجاهل على غرار ما هو حاصل للأسف في بلادنا». وتساءل الخليوي: أليس من حق المحتاجين من المثقفين والمبدعين والمواطنين عامة، أن تدعمهم الدولة بالرعاية والمساعدة التي توفر لهم ولأسرهم حياة كريمة؟».