لم تكن كل هذه المشاعر التي تحلّقت، وهي تعزِّي صاحب القلب الكبير، وحامل هموم الوطن، في فقد شقيقته الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز رحمها الله إلا مضموناً وتضامناً عالي القيمة، حتى في أشد اللحظات الإنسانية صعوبة. في موكب العزاء الكبير، أدرك الجميع، ونحن الإعلاميين منهم، أن الملك والقائد وخادم الحرمين، ليس وحده، فأبناؤه في طول البلاد وعرضها، يعيشون لحظة الفراق والألم معه، رداً على عطائه وحبه لهم.. ويشاركونه مشاعر الفقد، وعواطف الوجد، التي تسمو في لحظتها النادرة، وتتجلى لتحتل أنبل ما في المرء.. الألم. رغم كل كلمات الرثاء، وكل المشاعر المتعانقة محطمة كل جدران الروح، كان الألم النبيل، يكسو عبدالله بن عبدالعزيز،رغم كل كلمات الرثاء، وكل المشاعر المتعانقة محطمة كل جدران الروح، كان الألم النبيل، يكسو عبدالله بن عبدالعزيز، وربما يقسو عليه، لأول مرة، وأذكر كيف تحجرت الدموع في عينيه الكريمتين، في وداع الأخ الملك الراحل، فهد بن عبدالعزيز، يرحمه الله، وهو يوارى الثرى، وكيف انسابت هذه الدموع أمام براءة طفلة إحدى شهداء الواجب في الحرب على الإرهاب.. وهو المشهد الذي استحوذ على قلوب وعقول الكثيرين في الداخل والخارج. يا الله.. لقد كان الموقف جليلاً بكل معانيه، كل الحروف والكلمات، ومعها المشاعر، تماسّت بشدة مع مساحة القرب الإنساني بين الأشقاء، فإذا بها تؤهل القلوب للتعبير عن لحظة الحزن الراقية، بكل ما فيها من ألم وصبر واحتساب. كل من وقف معزّياً، وسط هذه الجموع الغفيرة، ربما يكون قد أدرك بشدة، كيف ينساب الألم بين الجوارح، فيحتار، هل هو بقيمة وداع الشقيقة إلى مثواها الأخير؟ أم هو استقرار للذكرى في باطن القلب والنفس؟ وهل يمكن أن يشعر المرء بطعم الفقد، وهو يهدي إلى التراب، بقايا الروح، ومهجة القلب، وطعم الأبوّة والإخوة والشراكة. أعلم ويعلم كل من كان حولي، في موكب العزاء النادر، ما كانت تمثله «صيتة» لعبدالله بن عبدالعزيز، ولنوف بنت عبدالعزيز، وأعلم كيف كانت خير أخت، وخير شقيقة وخير صديقة، اقتسمت كل اللحظات، وآثرت أن تفعل الخير، وتخفف عن وجوه المحرومين والضعفاء وغير القادرين كل هم وغم. لذا كان الفقد مريعاً، وكان الإيمان راسخاً في نفس الوقت. وكان الشموخ الطاهر في عيني عبدالله بن عبدالعزيز، وكأنه الرثاء الهامس، المكتوم في الصدر، في صورة تحمل كل الجلال والإجلال، مع رضاء تامٍ بما قدر الله، وقسم، وحول هذا وذاك، تضامن شعبٍ ووطن، أبى إلا أن يشاطر مليكه لحظة الألم الشخصي بكل إنسانيتها، معزياً ومواسياً. المشهد كان كبيراً في قصر المليك أمس بين عدد من الأُمراء والسفراء ورجال الأعمال وشيوخ القبائل والإعلاميين، كان المشهد أمس في حضرة المليك رائعاً ومؤثراً. (رحم الله الفقيدة، إنا لله وإنا إليه راجعون).. وقفة.. استوقفني الشاعر خالد بن عبدالعزيز التويجري بقصيدته الرائعة في رثاء الأميرة «صيتة»، فقد كانت قصيدة مؤثرة وعميقة وصادقة.