رحمك الله أبا يزيد .. وأدخلك فسيح جناته. لقد كان نعم الأخ .. ونعم الصديق. لم يزده العلم إلا تواضعاً .. ولم يزده المرض إلا رضا .. ولم يزده الألم إلا صبراً. في وداعه ويوم تشييعه كان الموقف مهيباً .. الألم طاغياً والفقد موجعاً .. كان المشهد حزيناً .. وسيظل في ذاكرة من عرفه فأحبه . عرفت أبا يزيد منذ عقدين من الزمن.. كانت أول مقابلة لي معه في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني ( مدينة الملك عبدالعزيز الطبية حديثاً) وكان موضوع الاجتماع التخطيط لبدء برنامج زراعة الكبد – وقتها كان مجالاً حديثاً على مستوى العالم – وعن كيفية نقل هذه التقنية الطبية إلى المملكة العربية السعودية . يومها اتضحت لي ملامح شخصية هذا الإنسان الكريم.. شخصية فذة تعبق بالطبية والشهامة والإنسانية وتشع بالتفاؤل والأمل والحيوية .. كان حديثه عن المرضى ومعاناتهم وكيف يمكن لزراعة الكبد أن تمنحهم حياة جديدة.. وكيف يمكن لبلادنا أن تجاري التقدم العلمي في هذا المجال.. وحين يمتزج التفاؤل بالعزيمة والأمل بالعمل يغلب المستحيل وتهزم الصعاب وينتصر الطموح ولا تبقى الآمال مجرد أحلام. والمعدن الأصيل لا يتغير ولا يتبدل ففي مرضه رحمه الله وخلال معاناته الطويلة كان تفاؤله وأمله حاضرا حتى في أصعب اللحظات وهو يقاسي أشد الآلام وكان يرحمه الله – نحسبه والله حسيبه – ذا إيمان قوي راسخ ، صابراً ، راضياً محسن الظن بالله ، شديد القناعة أن الله سبحانه وتعالى يريد له الخير في كل ما مر به من أفراح وأتراح .. رحمه الله رحمة واسعة . لم يشغله ألمه عن مشاركة الآخرين آلامهم والاهتمام بهم والتخفيف عنهم ومساعدة من هم بحاجة إلى عونه ووقفته .. في مشهد سام من مشاهد الإيثار وإنكار الذات.. وبقي حلم رفع معاناة مرضى الكبد في عقله وقلبه ووجدانه وهو يقاسي أشد آلام المرض ووهن الجسد .. كان يأمل أن يرى صرحاً علمياً متميزاً يخدم تلك الفئة من المرضى ويرفع اسم وطننا في محافل العلم حتى انه في آخر أيامه وهو على سريره في العناية المركزة كان يسأل عن المركز وعن التطورات وآخر المستجدات. فرحته عظيمة حين أجريت أول عملية زراعة كبد في المملكة العربية السعودية ، لكن الدكتور عبدالمحسن لم يسع للشهرة ولم يكن همه الصيت والسمعة .. كان يقف وراء ذاك النجاح في صمت دون أن تكون له مصلحة ذاتية أو مجد شخصي .. اسأل الله أن يجعل ما قدم في ميزان حسناته ويعظم أجره ويثقل ميزانه. تعازينا لوالده وحرمه وأبنائه وبناته وجميع أسرته وأصدقائه وعزاؤنا في قوله تعالى في الحديث القدسي ( أنا عند حسن ظن عبدي بي) جعلك الله أبا يزيد في منزلة الشهداء والصديقين والأنبياء منزلة تنالها بإذن الله بكرم خلقك وصبرك وحسن ظنك بخالقك ..ورزقنا وأهلك وأصحابك ومعارفك الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.. *أستاذ الجراحة ورئيس قسم زراعة وجراحة الكبد في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث