أيها الكتاب، أيها الكتاب الجميل، أيتها الغابة الصغرى، صفحةً تلو صفحةٍ، يفوحُ ورقك برائحةِ العناصرِ؛ لقد جُبلتْ من الفجرِ والمساءِ، والقمحِ، والمحيطِ؛ في صفحاتك الأولى، صائدو الدببة، ونيرانُ المخيماتِ على شاطئ المسيسبي، القواربُ في الجزيرةِ؛ وبعد ذلك، الطرقاتُ والمزيدُ من الطرقاتِ، والكشوفاتُ، والثوارُ، ورامبو، وسمكةٌ تشخبُ منها الدماءُ وهي تلفظُ أنفاسها الأخيرةَ في الوحلِ، وجمالُ الشعورِ بالأخوةِ؛ حجراً حجراً ترتفعُ قلعةُ الإنسان، الحزنُ الذي يكبحُ جماحَهُ الثباتُ والتماسكُ؛ كتابٌ تنقّل على نحو ماكرٍ من جيبٍ إلى جيبٍ آخرَ، ضوءَ مصباحٍ مخبأٍ في الظلامِ، نجماً أحمرَ. نحنُ الشعراءُ الجوالون استكشفنا العالمَ، كانت الحياة تقف عند كل بابٍ لتلقي علينا التحيةَ، انخرطنا في كفاحِ أهلِ الأرضِ. ما الانتصار الذي حققناه؟ كتابٌ، كتابٌ ملؤه الإنسانية، والقمصانُ، كتابٌ يضطرمُ بالحياةِ، وبالبشرِ والعدد، الكتابُ هو نصرنا. إنه ينضجُ ويسقطُ مثلَ كلِّ الثمارِ، للكتابِ ضوؤه، كما أن له ظله، لكنه أيضاً يذوي، إنه يُساقِطُ أوراقه، ويضيعُ في الشوارعِ، ويهوي على الأرض. أيها الصباحُ يا كتابَ الشعرِ، مرة أخرى ليكن هنالك ثلجٌ وطحالب فوق صفحاتك حتى تتمكن الأقدامُ والعيونُ من تركِ آثارَها؛ مرة أخرى صفْ لنا العالمَ، ينابيعُ في أدغالِ الغابةِ، بساتينُ من الأشجارِ السامقةِ، الكواكبُ القطبيةُ، وإنسانٌ على الطريقِ، يغذ السيرَ في الغابةِ، وفوقَ الماءِ، وفي السماءِ، وفي الوحدةِ العاريةِ للبحرِ، إنسانٌ يستكشفُ الأسرارَ القصوى، إنسانٌ يعودُ حاملاً كتابًا، الصيادُ يعودُ مرةً أخرى حاملاً كتابًا، الفلاحُ يحرثُ أرضَهُ حاملاً كتابًا. عن الشاعر: بابلو نيرودا (1904 – 1971)، شاعر تشيلي، وربما شاعر أمريكا الجنوبية الأشهر في القرن العشرين. نال العديد من الجوائز وأبرزها جائزة نوبل للآداب عام 1971م. كتب عنه الناقد الأمريكي المعروف، هارولد بلوم: «لا يمكن مقارنة أي من شعراء الغرب بهذا الشاعر الذي سبق عصره». من أشهر كتبه «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة» الذي ترجم أكثر من مرة إلى اللغة العربية، و»في هذه الليلة، أنا قادر على كتابة أكثر القصائد حزناً». كتب سيرته الذاتية بعنوان «أشهد أنني قد عشت» وترجمت إلى العربية منذ السبعينات من القرن الماضي. النص المترجم هنا من كتاب نشر باللغة الإنجليزية، يضم عددا كبيرا من قصائده التي يتحدث فيها عن الأشياء والأدوات والكائنات من زاوية شعرية ذات تفرد خاص عرف به واشتهر عنه. عنوان الكتاب هو Elemental Odes.