عندما سمعت بمرض كورونا لأول مرة، عادت لذاكرتي ايام رائعة عشتها مع ابنة خالي وصديقتي، فضة أم خالد الدبل، كنا مازلنا بمرحلة الطفولة المتأخرة. فجأة أعلنت الحكومة السعودية على الأحساء، والقطيف الحجر الصحي نتيجة انتشار مرض الكوليرا القاتل، كنا بشهر رجب 1390 ه ، امتدت فترة الحجر 6 شهور، ولكننا قضينا فيها أسبوعين أو ثلاثة أسابيع كما أذكر ، واستمتعنا خلالها بمزارعها وبساتينها الخضراء الخلابة، وكنا نبتكر ألعاباً جديدة كل يوم، ونتكلم كثيرا عن الأحلام الصغيرة، مر الأسبوعان سريعا، وأخبرونا قبل العودة للدمام أننا لن نتمكن من حمل أمتعتنا معنا ،وبأفكارنا المحدودة صرنا نرتدي ما نستطيع من ملابسنا لنعبر بها للدمام. أعتقد أن على البشرية إن أرادت الانتصار في هذه الحرب، والانتصار هنا يعني البقاء. أن تشعر بالخطر، وأن تطور رؤيتها للصراع وتفكر جديا بالهجوم المبكر، والوقاية المبكرة، على البشرية أن تدرك أن الخسائر تمثل أرواحا بشرية لها حق الحياة كانت أخبار انتشار الكوليرا، ذلك العدو المجهول، تنقل إلينا ببطء شديد، والخوف يسيطر بدرجات متفاوتة على الجميع، كنا أقل خوفا من الكبار وأكثر جرأة، فالخوف من فناء العالم، أحد الأحلام التي تزور الأطفال كثيرا، فخيالهم يسمح بوجود عوالم كثيرة، والخيال يقترب من الحقيقة أحيانا. سأفكر معكم بمنطق الطفلة التي قضت أسبوعين بالحجر الصحي، وأتخيل حربا مشتعلة مع عالم الميكروبات والفيروسات، وسوف أتخيل جيشا من الأعداء يطمع في السيطرة على كوكب الأرض، وبالطبع ستأخذ الحرب معارك كثيرة، هجوم من هنا ودفاع من هناك. هذا المنطق البسيط يحمل قدرا من الوجهة، ودعونا نبدأ من وباء الكوليرا الذي شكل تهديدا حقيقيا للبشرية خلال عقود من القرن الماضي. استمرت الحرب ضد الكوليرا شهورا طويلة ببعض المناطق، وفقدت بعض البلاد أعدادا كبيرة من الضحايا، كان الموتى بالآلاف خاصة بدول العالم الثالث التي كانت أغلبها مستعمرات بذلك الوقت، وبعدها عاشت البشرية هدنة طويلة مع الكوليرا، لكن الحرب مع الأعداء التاريخية للبشرية كلها «الميكروبات والفيروسات» لم تتوقف يوما، فكل فترة نشهد مخلوقا جديدا يهاجم بشراسة على البشر، ومن الواضح أن الحرب لا تدور لصالحنا خلال السنوات القليلة الماضية، بداية من سارس، الذي بدأ بشرق آسيا ثم انطلق للعالم كله مثيرا الرعب بالنفوس، وحاصدا الكثير من الضحايا، ثم مرورا بأنفلونزا الطيور، وما سببه ومازال من أضرار صحية واقتصادية جسيمة، وبعدها أنفلونزا الخنازير، والآن يأتينا العدو الجديد كورونا ليحصد عشرات الضحايا. على الجانب الآخر، لم تطور البشرية أساليب الهجوم المبكر، وتقوم دائما بالدور الدفاعي الذي يحقق انتصاره بتقليل الخسائر حتى يصل للسلاح المضاد، وبعدها يبدأ الهجوم، لكنه يفاجأ بعد وقت قصير بهجوم من سلاح جديد. سمعت مرة أنه إذا قامت حرب نووية، سيموت البشر وتبقى الفيروسات، فتلك المخلوقات الصغيرة لدرجة أنها لا ترى، تملك قوة تفوق قوتنا أحيانا، فالحرب المشتعلة بيننا لم تتوقف يوما وربما لا نكون المنتصرين في النهاية، وأعتقد أن على البشرية إن أرادت الانتصار في هذه الحرب، والانتصار هنا يعني البقاء. أن تشعر بالخطر، وأن تطور رؤيتها للصراع وتفكر جديا بالهجوم المبكر، والوقاية المبكرة، على البشرية أن تدرك أن الخسائر تمثل أرواحا بشرية لها حق الحياة، وتفكر بالأسباب العميقة للحرب، فكثير من الأعداء قد وجدوا بأيدينا. (فكثير من الأعداء قد أصبحوا تحت سيطرتنا البشرية). كلماتي ليست دعوة للخوف بل للانتباه، دور الإنسان العادي هو الحاسم في الحد من انتشار المرض، والالتزام بالتعليمات الصحية لا يخضع لتعدد الآراء. [email protected]