يرى قطاع واسع من العرب أن موقف الولاياتالمتحدة من القضية السورية الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في موسكو، تراجع أو تكتيك، لكن الذين يدققون في الموقف الامريكي من الثورة السورية، يرون أن انحناء الولاياتالمتحدة لرغبات التحالف الإيراني الروسي، ليس أمراً جديداً، بل انه يتفق كلياً مع سلسلة التلكؤات والأعذار الأمريكية منذ اندلاع الثورة السورية، حتى بدت واشنطن وكأنها تنسق مواقفها مع طهران ونظام الأسد، لأن النظام لم يستفد أكثر مما استفاد من مواقف وتلكؤ واشنطن، وإعلاناتها. فكلما تقدم الثوار وحققوا اختراقات مهمة على الأرض ووجهوا ضربات موجعة وموهنة إلى معنويات قوات الأسد وميلشيات رعاته، تأتي واشنطن وتتحدث عن حل سلمي وحكومة وفاق انتقالية. وكلما أمعن النظام في جرائمه ومجازره وقتل الأطفال وتدمير المدن، تعلن واشنطن أنها لا تفكر بعمل عسكري يوقف آلة القتل الإجرامية، وكأنها تقول لنظام الأسد وميلشيات طهران أنها مسرورة بما يفعلون، ولا ترى في أعمالهم أي سمات إجرامية تحتم على واشنطن التدخل عسكرياً وفاء للالتزامات الأدبية والأخلاقية لأقوى بلد في العالم ينصب نفسه مدافعاً عن حقوق الناس وحرياتهم ونجدة المظلومين. في بداية الثورة كان السوريون يطمعون بدعم أمريكي ووقفة أمريكية مع شعب أعزل يتعرض لمذبحة استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة بما في ذلك ذبح أسر عديدة في منازلها. ولكن الثورة السورية الآن لم تعد تعول على أية جهة خارجية بعد أن وجدت أن واشنطن وباريس ولندن تستخدم السوريين ورقة للتفاوض مع إيران وروسيا على حساب دماء السوريين وأرواحهم. ولم ينتظر السوريون المساعدات من الخارج لهذا حققوا نتائج مبهرة وحرروا مساحات واسعة من أراضي بلادهم. ولو أنهم انتظروا مجيء مساعدات أمريكا أو أوروبا لكانوا الآن يقبعون في مخيمات اللاجئين ويتفرجون على قوات الأسد وميلشيات طهران تحرق مدنهم بنيران الدبابات والمدافع والطائرات. والخطأ الاستراتيجي الذي ترتكبه واشنطن حالياً هو نفس الخطأ الذي ارتكبته موسكو، وهو النظر إلى سوريا على أنها ملعب مع طهران، بينما السوريون مصممون على تحرير بلادهم كلياً من النفوذ الإيراني، بلا أي مساعدات خارجية، سواء اتفقت طهران مع واشنطن أو لم تتفق وسواء رضيت موسكو أو لم ترض. وهذا يعني بوضوح أن الثوار السوريين متقدمون بفكرهم الاستراتيجي على خبراء واشنطنوموسكووطهران الذين يرسمون خططاً في الهواء وقصوراً من رمال. فالثورة السورية أصبحت الآن تدق أبواب النظام، وتوجه ضربات موجعة وشجاعة إلى ميلشيات طهران وهي العصب الحقيقي والأكثر أهمية في دعم صمود النظام. كما أن الثوار مصممون على إفشال أية خطوات يتفق عليها بين واشنطنوموسكووطهران بتقسيم سوريا. ولديهم من الامكانات والعبقرية لجعل كل هذه الخطط من الماضي وأحلاما في مقبرة التاريخ. بمعنى أن قطار الثورة السورية يسير بسرعة ويبدو أن موسكووواشنطنوطهران تتخلف في المحطات القديمة.