احتفاء تجلسُ في مقعدٍ ما ، دون أن تتأثرَ بشيءٍ، شاعرًا بالذاتِ القديمةِ وهي تصبحُ الذاتَ الأقدمَ، متخيلاً صبرَ الماءِ، وضجرَ الحجرِ. تحسبُ أن الصمتَ هو الصفحةُ الفائضةُ، تحسبُ أنه ما من شيءٍ جيدٌ أو سيءٌ، حتى العتمةَ التي تملأ المنزل وأنت تجلس وتشاهد كيف يتمُّ ذلك. لقد رأيت ذلك يحدث من قبل. يمر أصدقاؤك أمام النافذةِ، وقد لطّخَ الندمُ وجوههم. تريد أن تلوِّحَ لهم ولكنك لا تستطيع رفعَ يدك. تجلس في كرسي. تلتفتُ إلى نبتات عنب الثعلب التي تنشرُ شبكةً سامةً حولَ المنزلِ. تتذوقُ عسلَ الغيابِ. طعمه لا يتغيرُّ حيثما حللت، سيان إن أصابَ العطبُ الصوتَ قبل الجسد، أو إن أصابَ الجسدَ قبل الصوت. تعرفُ أن الرغبةَ لا تقودُ إلا إلى الحزنِ، وأن الحزنَ يقودُ إلى الإنجازِ الذي يقودُ بدوره إلى الخواء. تعرف أن هذا أمر مختلف، أن هذا احتفاءٌ، الاحتفاءُ الوحيدُ، وأن شفاءك يكمنُ في ألا تمنحَ ذاتك لشيءٍ. تعلمُ أن ثمة متعة في إحساسك برئتيك وهما تتأهبانِ لمستقبلٍ ملؤه الرماد، فما يكون منك إلا ان تنتظرَ، تحدقُّ وتنتظرُ، فيركدُ الغبارُ وتجولُ ساعاتُ الطفولةِ الساحرةِ في الظلام. النهاية لن يتاح لكل إنسان أن يعرفَ ما سيغنيه في نهاية المطاف وهو يراقبُ الميناءَ إذ تبحرُ السفينةُ بعيداً، أو كيف سيبدو الأمر حين يقع في ربقة زئير البحر، دونما حراك، هنالك في النهاية، أو ما سيكون بوسعه أن يتمناه حالما يتبين له أنه لن يستطيع الرجوع حين يكون الأوان قد فات لتشذيب الوردة أو مداعبة القطة حين تغيب الشمسُ التي تحرقُ المرجَ والبدرُ الذي يغمره بالجليدِ، لن يدرك كل إنسان ما سيتكشف له بدلاً من ذلك. حين لا يكون لثقل الماضي ما يتكئ عليه، وحين لا تكون السماءُ سوى الضوء الذي تستدعيه الذاكرة، وحين تشارف حكايا ركام الغيم المنخفض على نهايتها، وحين تَعْلَقُ الطيورُ في الهواءِ، لا يدرك كل إنسان ما سيكون بانتظاره، أو ما سيغنيه حين تنزلقُ السفينةُ التي تحمله فوق ظهرها في قلبِ العتمة، هنالك في نهاية المطاف. يعتبر مارك ستراند (1934) واحدا من أبرز الشعراء الأمريكيين المعاصرين إضافة إلى كونه محررا ومترجما مكرسا. أبرز سمات كتابته هي دقة اللغة والصور الشعرية السريالية وتكرار ثيمة الغياب والنفي. تمت تسميته شاعر البلاط الأمريكي سنة 1990، وقد امتدت مسيرته الشعرية لأكثر من أربعة عقود وفاز بالعديد من الجوائز وحظي باحتفاء نقدي ومتابعة كبيرة من القراء. في عام 1999 فاز بجائزة البوليتزر المرموقة عن إحدى مجموعاته الشعرية.