حينما تبكي العيون دموعا فإنها تعبر عن حزن أصاب الفؤاد في لحظة لكنها سرعان ما تتوقف لتعود الأعين لطبيعتها وكأن شيئا قد مضى دون ألم أو حزن. لكن حينما تكون الدموع نتيجة لموت عزيز كان بالأمس مجاورا اتفقنا واختلفنا معه فإننا لانبكي دموعا لحزن أصابنا ولا لجرح أدمى فؤادنا لكننا نبكي لغياب سيطول وفراق لامرد له لأن من تركنا في الطريق وسار نحو الخلود عزيز على القلب وقريب إلى الوجدان اتفقنا واختلفنا وفي كل مرة يؤكد أنه عزيز على الجميع حتى مع المختلفين معه فيجعل من موته مصيبة تدمي جراح الجميع . ووقتها نردد قول الشاعر : إن لم يكن موت العزيز مصيبة فبم المصيبة والمرارة تكمن ؟ وبالأمس جاءت كلمات مؤلمة قاسية أصابت الفؤاد وأدمت جراحه بخبر نقله أخي الدكتور مهندس وائل قائلا : “ لقد مات أبو محمد “ وقتها لم أستوعب الخبر ولم أكن مصدقا لمضمونه فرددت قائلا “ أبو محمد الأستاذ / عبدالله علاء الدين “ حينها أكد بأنه هو وأن لكل أجل كتاب. حينها أدركت صحة الخبر وزاد من ذلك ما قاله السيد / طارق عنقاوي “ الذي قال : “مساء أمس كنا في اجتماع وكان حديثه رحمه الله عن الموت فطلبت منه الحديث عن موضوع آخر وغادرت قاعة الاجتماعات “ والحقيقة أن أخي الدكتور مهندس / وائل والسيد / طارق عنقاوي لم يدر بخلدهما انهما سينقلان نبأ وفاة أبو محمد عبدالله بن عمر علاء الدين الذي غادر الدنيا ومافيها من متاع ولذة بقاء. وهو في صحة جيدة دون تعرضه لمرض يقعده أو شيخوخة تكبره. لقد جاء الخبر مؤلما فكل من تعامل معه من قريب أو بعيد يدرك أنه إنسان بمعنى الإنسانية. لكن سنة الحياة ونهاية كل المطاف تجعل حواسنا تتعطل ومشاعرنا تتوه عندها نتذكر أحاديث الصبر والثبات وعظم الجزاء في تحمل الصدمات وقيمة الصبر وجميل الاحتساب. لقد تهاوت على الخد دمعة مرارة ولوعة وأسى وحسرة على عزيز قد مضى كزمن مضى وفات لكن الحقيقة تبقى بقاء الدهر بعطاء الرجال وسنوات الترحال. وما قاله المتنبي : يمرّ بقبرك العافي فيبكي ويشغله البكاء عن السؤال فإنما يذكرنا بمواقفك مع الجميع خاصة معي في آخر مرة التقيتك قبل نحو أسبوع حينما جلسنا سويا وتحدثنا ثم طلبت منه الاستئذان لموعد كنت قد حددته للسيد / عبدالعزيز علوي فرد لي قائلا بأسلوب مداعبة “ أعانك الله على السادة الذين تبتلى بمحبتهم في كل موسم حج” في إشارة منه إلى ارتباطي بالسيد / طارق عنقاوي قبل نحو عام. واليوم نراه قد غادرنا إلى رحلة الخلود ليوقفنا أمام أيام مضت وسنين توالت منذ أن عرفته عضوا بمجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا واستراليا عام 1407 ه حتى الآن. البعيدون عنه يصيغون من خيالهم أفكارا تخالف واقعه رحمه الله أما القريبون منه فيدركون أنه إنسان مختلف عما يقال عنه. وان كنت واحدا من الذين اختلفوا معه كثيرا فإنني لم أره بعيدا عن الواقعية الإنسانية وبرز ذلك يوم وفاة والدي رحمه الله إذ كان أول المعزين والواقفين معنا في مصابنا وحينها قلت له “ إن كنت أنا الأكبر سنا في إخوتي فاليوم أنت أخونا الأكبر ولا يرد لك طلب “ واليوم أجد أنني بت بدون أخ كبير ولا رئيس لمجلس إدارة مؤسستنا يسد فراغا بات عميقا بعد أن كنا ندرك بأنه أخ كبير للصغير وابن للكبير وداعم للأرملة والمسكين. واليوم أقول ماقاله الشاعر : ولو كان البكاء يرد شيئا... على الباكي بكيت على صقوري. لكن عزاءنا فيك لغيابك وبكاءنا لك دعوات صادقة بأن يسكنك الله فسيح جناته على ما قدمت من خدمات جليلة لضيوف الرحمن منذ أن كنت موظفا بمركز استقبال الحجاج بطريق جدةمكةالمكرمة حتى مغادرتك للدنيا.