منذ انضمام المملكة العربية السعودية للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، أصبحت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد « نزاهة « هي المسئولة بشكل أساس عن مكافحة الفساد بشقيها السلبي أي ملاحقة الفاسدين، والإيجابي أي نشر ثقافة الشفافية بكل ما يتعلق بشؤون المجتمع خاصة المشروعات الخدامتية والتنموية، ولا شك - من خلال متابعتي المستمرة نشاط الهيئة - في أن هناك تقدما ملحوظا بالشق الأول، فالكثير من قضايا الفساد تم تقديمها للقضاء بالفعل. من حق المواطن أن يعرف كل المعلومات الخاصة بإدارة المشروعات كي يتمكن من مراقبتها وتشكيل ما يعرف بجذر النزاهة، أي مراقبة المواطنين المشروعات والخدمات المحلية بشكل مستمر، كذلك نشر قضايا الفساد ومتابعتها حتى نهايتها ليدرك أن النظام لا يرحم الفاسدين أما الشق الثاني فمازال يحتاج للكثير من العمل، فالفساد الذي أصبح قضية عالمية يؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين، وتؤكد التجارب الدولية التي حققت نجاحات بمحاصرة الفساد والحد من آثاره. إن السياسات الرسمية والقوانين مهما بلغت دقتها ليست كافية، والدور الأساس يقع على المواطن نفسه، فهو الذي يتعامل بشكل مباشر مع الإدارة وأكثر قدرة على الكشف عن الفساد ومحاصرته، لذلك ترتبط النزاهة عضويا بالشفافية، وتقوم الشفافية على إتاحة المعلومات، وقد خطت المملكة نحو الشفافية بشكل واضح، لكن ليس بالقدر الكافي، ثقافتنا العربية مازالت ترى نشر المعلومات خطرا على الأمن القومي، تلك الثقافة التي علينا تغيرها في أسرع وقت ممكن، فالمواطن الذي يعد قاعدة مكافحة الفساد يحتاج لمقدمات ضرورية أولها أن يرى آثار محاربة الفساد بشكل ملموس خصوصا على مستوى المشروعات التي ترتبط بحياته اليومية، فلابد من التزام القائمين على المشروعات بالجداول الزمنية وبدقة وكفاءة التنفيذ، كذلك من حق المواطن أن يعرف كل المعلومات الخاصة بإدارة المشروعات كي يتمكن من مراقبتها وتشكيل ما يعرف بجذر النزاهة، أي مراقبة المواطنين المشروعات والخدمات المحلية بشكل مستمر، كذلك نشر قضايا الفساد ومتابعتها حتى نهايتها ليدرك أن النظام لا يرحم الفاسدين، ولأن الفساد قضية عالمية فمن الضروري الاستفادة من الخبرات الناجحة التي سبقتنا، فبعض البلاد تخصص قناة تليفزيونية خاصة بقضايا الفساد بحيث يشاهد المواطن - بشكل مباشر - التحقيقات وجلسات المحاكمة. كما أن بلدا مثل ماليزيا تبيح للصحفيين نشر قضايا الفساد حتى لو كانت المصادر الصحفية ضعيفة، فمصلحة المجتمع تقدم على مصلحة الفرد، وتقيد الإعلام يضر بمصلحة المجتمع، وبالطبع يحق للشخص - الذي تضرر من النشر - أن يعوض عن أي خطأ، كذلك من المسلم به حاليا أن حماية المبلغين عن الفساد والشهود تعد ضرورة لا غنى عنها لتشجيع المواطنين على القيام بدور إيجابي، لذلك من الغريب أن هيئة الفساد تطلب من المُبلغ أن يقدم معلومات كاملة تتضمن الاسم والمهنة والعنوان ورقم الهاتف، تلك المعلومات كفيلة بأن يحجم المواطن عن التبليغ لسبب بسيط هو أن بعض الفاسدين لديهم قدر من السلطة التي يمكن أن تعصف بالمُبلغ، لذلك تحتاج منظومة الشفافية بالمملكة للتطوير السريع، فالهيئة المستقلة مهما بلغت قدرتها لن تتمكن وحدها من القيام بكل الأدوار، فالمشكلة الجوهرية بالفساد هي المسافة بين القضايا المكتشفة وبين غيرها التي لم تكتشف بعد، وهي ما يعرف بالهوة السوداء، ولسد تلك الهوة نحتاج لتضافر كل الجهود وليست الرسمية فقط، بل الأهم الجهود الشعبية والمحلية، فالمواطن أقرب وأقدر على كشف الفساد ويحتاج لقدر كبير من المعرفة والحماية ليتمكن من القيام بدوره بفاعلية لسد الهوة السوداء تماما.